قيل: يشهد الله عَزَّ وجَلَّ وملائكته، وقيل: يشهده ملائكة الليل وملائكة النهار، فيتفق نزول هؤلاء البدل عند صعود أولئك فيجتمعون فى صلاة الفجر، وذلك لأنها هى أول ديوان النهار وآخر ديوان الليل فيشهده ملائكة الليل والنهار.
واحتج لهذا القول بما فى الصحيح من حديث الزهرى عن أبى سلمة عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فَضْلُ صَلاةِ الْجَمِيعِ عَلَى صَلاةِ الْوَاحِدِ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ دَرَجَةً))، ويجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار فى صلاة الفجر لقول أبى هريرة: واقرؤوا إن شئتم: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً} * [الإسراء: 87] رواه البخارى فى الصحيح.
قال أصحاب القول الأول: وهذا لا ينافى قولنا، وهو أن يكون الله سبحانه وملائكة الليل والنهار يشهدون قرآن الفجر، وليس المراد الشهادة العامة، فإن الله على كل شيء شهيد، بل المراد شهادة خاصة وهى شهادة حضور ودنوّ متصل بدنو الرب [تعالى] ونزوله إلى سماءِ الدنيا فى الشطر الأخير من الليل.
وقد روى الليث بن سعد: حدثنى زيادة بن محمد [عن محمد بن] كعب القرظى عن فضالة ابن عبيد الأنصارى عن أَبى الدرداء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إِنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ يَنْزِلُ فِى ثَلاثِ سَاعَاتٍ يَبْقَيْنَ مِنَ اللَّيْلِ، فَيَفْتَحُ الذِّكْرِ فِى السَّاعَةِ الأُولَى الَّذِى لَم يَرَهُ غَيْرَهُ فَيَمْحُو اللهُ مَا يَشَأُ وَيُثْبِتُ، ثُمَّ يَنْزِلُ فِى السَّاعَةِ الثانية إِلَى جَنَّةِ عَدْنٍ وَهِى دَارُهُ الَّتِى لَمْ تَرَهَا عَيْنٌ وَلَمْ تَخْطُرُ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ وَهِى مَسْكَنُهُ لا يسكنها معه من بنى آدم غير ثلاث وهم النبيون والصديقون والشهداءُ، ثم يقول: طوبى لمن دخلك، ثم ينزل فى الساعة الثالثة إلى سماءِ الدنيا بروحه وملائكته فتنفض فيقول: قومى بعزتى، ثم يطلع إلى عباده فيقول: هل من مستغفر فأَغفر له؟
أَلا من سائل يسأَلنى فأعطيه)) ألا [من] داع يدعونى فأُجيبه؟
حتى تكون صلاة الفجر.
ولذلك يقول الله عَزَّ وجلَّ: {وَقُرْآن الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآن الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً} * [الإسراء: 78]، يشهده الله عز وجل وملائكته ملائكة الليل والنهار)).
ففى هذا الحديث أن النزول يدوم إلى صلاة الفجر، وعلى هذا فيكون شهود [الله] سبحانه لقرآن الفجر مع شهود ملائكة الليل والنهار له، وهذه خاصة بصلاة الصبح ليست لغيرها من [الصلوات]، وهذا لا ينافى دوام النزول فى سائر الأحاديث إلى طلوع الفجر ولا سيما وهو معلق فى بعضها على انفجار الصبح، وهو اتساع ضوئه.
وفى لفظ: ((حَتَّى يَضِيءَ الْفَجْرُ))، [فى] لفظ: ((حَتَّى يَسْطَعَ الْفَجْر))، وذلك هو وقت قراءَة الفجر، وهذا دليل على استحباب تقديمها مع مواظبة النبى صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين على تقديمها فى أول وقتها، فكان النبى صلى الله عليه وسلم يقرأُ فيها بالستين إلى المائة ويطيل ركوعها وسجودها وينصرف منها والنساءُ لا يعرفن من الغلس، وهذا لا يكون إلا مع شدة التقديم فى أول الوقت لتقع القراءة فى وقت النزول فيحصل الشهود المخصوص، مع أنه قد جاء فى بعض الأحاديث مصرحاً به دوام ذلك إلى الانصراف من صلاة الصبح، رواه الدارقطنى فى كتاب ((نزول الرب [تعالى] كل ليلة إلى سماءِ الدنيا)) من حديث محمد بن عمرو عن أبى سلمة عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ينزل الله عَزَّ وجَلَّ إلى سماءِ الدنيا لنصف الليل الآخر أو الثلث الآخر يقول: من ذا الذى يدعونى فأستجيب له؟
من ذا الذى يسألنى فأعطيه؟
من ذا الذى يستغفرنى فأغفر له؟
حتى يطلع الفجر أو ينصرف القاريء من صلاة الصبح)) رواه عن محمد جماعة: منهم سليمان بن بلال وإسماعيل بن جعفر والدراوردى وحفص بن غياث ويزيد بن هارون وعبد الوهاب بن عطاء ومحمد بن جعفر والنضر بن شميل كلهم قال: ((أو ينصرف القاريء من صلاة الفجر))، فإن كانت هذه اللفظة محفوظة عن النبى صلى الله عليه وسلم فهى صريحة فى المعنى كاشفة للمراد، وإن لم تكن محفوظة وكانت من شك الراوى هل قال هذا أو هذا، فقد قدمنا أنه لا منافاة بين اللفظين.
¥