وأن حديث الليث بن سعد عن محمد بن زياد يدل على دوام النزول إلى وقت صلاة الفجر، وأن تعليقه بالطلوع لكونه أول الوقت الذى يكون فيه الصعود، كما رواه يونس بن أبى إسحق عن أبيه عن الأغر أبى مسلم قال: شهدت على النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إِنَّ الله عزَّ وجَلَّ يُمْهِلُ حَتَّى إِذَا كَانَ ثُلُثُ اللَّيْل هَبَط إِلَى هَذِهِ السَّمَاءِ ثُمَّ أمَرَ بِأَبْوَابِ السَّمَاءِ فَفُتِحَتْ ثُمَّ قَالَ: هَلْ مِنْ سَائِلٍ فَأَعْطِيَهُ؟
هَلْ مِنْ دَاعٍ فَأُجِيبُهُ، هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فَأَغْفِرَ لهُ هَلْ مِنْ مُسْتَغِيثٍ أَغِيثُهُ؟
هَلْ مِن مُضْطَّرٍ أَكشِفُ عَنْهُ؟
فَلا يَزَالُ ذَلِكَ مَكَانَهُ حَتَّى يَطَلَعَ الٌفَجْرُ فِى كُلِّ لَيْلَة مِنَ الدُّنْيَا، ثُمَّ يَصْعَدُ إِلَى السَّمَاءِ؟)).
قال الدارقطنى: فزاد فيه يونس بن أبى إسحق زيادة حسنة.
والمقصود ذكر القرب من الإمام فى صلاة الفجر وتقديمها فى أول وقتها. والله أعلم.
فصل
فإذا فرغ من صلاة الصبح أقبل بكليته على ذكر الله والتوجه إليه بالأذكار التى شرعت أول النهار فيجعلها ورداً له لا يخل بها أبداً، ثم يزيد عليها ما شاءَ من الأذكار الفاضلة أو قراءة القرآن حتى تطلع الشمس، فإذا طلعت فإن شاءَ ركع ركعتى الضحى وزاد ما شاءَ، وإن شاءَ قام من غير ركوع ثم يذهب متضرعاً إلى ربه سائلاً له أن يكون ضامناً عليه متصرفاً فى مرضاته بقية يومه، فلا ينقلب إلا فى شيء يظهر له فيه مرضاة ربه، وإن كان من الأفعال العادية الطبيعية قلبه عبادة بالنية وقصد الاستعانة به على مرضاة الرب.
وبالجملة فيقف عند أول الداعى إلى فعله، فيفتش [ويستخرج منه منفدأ ومسلكاً يسلك به فينقلب] فى حقه عبادة وقربة، وشتان كم بين هذا وبين من إذا عرض له أمر من أوامر الرب لا بد له من فعله وفتش فيه على مراد لنفسه وغرض لطبعه، ففعلة لأجل ذلك وجعل الأمر طريقاً له ومنفذاً لمقصده، فسبحان من فاوت بين النفوس إلى هذا الحد والغاية، فهذا عباداته عادات، والأول عاداته عبادات.
فإذا جاءَ فرض الظهر بادر إليه مكملاً له ناصحاً فيه لمعبوده كنصح المحب الصادق المحبة لمحبوبه الذى قد طلب منه أن يعمل له شيئاً ما، فهو لا يبقى مجهوداً، بل يبذل مقدوره كله فى تحسينه وتزيينه وإصلاحه وإكماله ليقع موقعاً من محبوبه فينال به رضاه عنه وقربه منه.
أفلا يستحى العبد من ربه ومولاه ومعبوده أن لا يكون فى عمله هكذا، وهو يرى المحبين فى أشغال محبوبيهم من الخلق كيف يجتهدون [فى إيقاعها] على أحسن وجه وأكمله، بل هو يجد من نفسه ذلك مع من يحبه من الخلق، فلا أقل من أن يكون مع ربه بهذه المنزلة، ومن أنصف نفسه وعرف أعماله استحى من الله أن يواجهه بعمله أو يرضاه لربه وهو يعلم من نفسه أنه لو عمل لمحبوب له من الناس لبذل فيه نصحه ولم يدع من حسنه شيئاً إلا فعله.
وبالجملة فهذا حال هذا العبد مع ربه فى جميع أعماله، فهو يعلم أنه لا يوفى هذا المقام حقه، فهو أبداً [يستغفر الله عقيب كل عمل وكان النبى صلى الله عليه وسلم] إذا سلم من الصلاة استغفر الله ثلاثاً، وقال تعالى: {وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} * [الذاريات: 18].
قال الحسن: مدوا الصلاة إلى السحر، ثم جلسوا يستغفرون ربهم.
وقال تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} * [البقرة: 199]، فأمر سبحانه بالاستغفار بعد الوقوف بعرفة والمزدلفة، وشرع للمتوضيء أن يقول بعد وضوئه: ((اللَّهُمَّ اجْعَلْنِى مِنَ التَّوَّابِينَ وَاجْعَلْنِى مِنَ المُتَطَهِّرِين))، فهذه توبة بعد الوضوءِ، وتوبة بعد الحج، وتوبة بعد الصلاة وتوبة بعد قيام الليل.
فصاحب هذا المقام مضطر إلى التوبة والاستغفار كما تبين، فهو لا يزال مستغفراً تائباً، وكلما كثرت طاعاته كثرت توبته واستغفاره. اهـ
ـ[المسيطير]ــــــــ[23 - 08 - 09, 11:51 م]ـ
يبدو أن في هذه المشاركة تقديم وتأخير ... فمشاركتي الأولى ... تأتي عَقِب مشاركة أخينا الخبيب / أبي زارع.
ـ[أبو زارع المدني]ــــــــ[24 - 08 - 09, 12:17 ص]ـ
لا شيخنا الحبيب
كل مافي الأمر أني أعدت تنسيق الموضوع وطلبت من إدارتنا الكريمة أن تضيف التعديل على المشاركة الأولى
¥