[القيام للجنازة منسوخ]
ـ[وهج البراهين]ــــــــ[16 - 01 - 03, 03:07 م]ـ
قال النووي في ((المجموع)):
حَدِيثُ عَلِيٍّ رضي الله عنه صَحِيحٌ , رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ بِمَعْنَاهُ , قَالَ {قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَعْنِي فِي الْجِنَازَةِ ثُمَّ قَعَدَ} وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ أَيْضًا: قَامَ فَقُمْنَا وَقَعَدَ فَقَعَدْنَا} وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ فِي بَعْضِهَا كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ , وَفِي بَعْضِهَا كَمَا وَقَعَ فِي الْمُهَذَّبِ بِحُرُوفِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم {قَامَ مَعَ الْجِنَازَةِ حَتَّى تُوضَعَ وَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ , ثُمَّ قَعَدَ وَأَمَرَهُمْ بِالْقُعُودِ} وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه {رَأَى نَاسًا قِيَامًا يَنْتَظِرُونَ الْجِنَازَةَ أَنْ تُوضَعَ فَأَشَارَ إلَيْهِمْ بِدِرَّةٍ مَعَهُ أَوْ سَوْطٍ: أَنْ اجْلِسُوا فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ جَلَسَ بَعْدَ مَا كَانَ يَقُومُ} وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه فِي سَبَبِ الْقُعُودِ قَالَ {كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُومُ فِي الْجِنَازَةِ حَتَّى تُوضَعَ فِي اللَّحْدِ , فَمَرَّ حَبْرٌ مِنْ الْيَهُودِ فَقَالَ: هَكَذَا نَفْعَلُ , فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ: اجْلِسُوا خَالِفُوهُمْ} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ , وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ.
أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ: فَقَدْ ثَبَتَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم {أَمَرَ بِالْقِيَامِ لِمَنْ مَرَّتْ بِهِ جِنَازَةٌ حَتَّى تَخْلُفَهُ أَوْ تُوضَعَ وَأَمَرَ مَنْ تَبِعَهَا أَنْ لَا يَقْعُدُ عِنْدَ الْقَبْرِ حَتَّى تُوضَعَ}
ثُمَّ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي نَسْخِهِ , فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَجُمْهُورُ أَصْحَابِنَا: هَذَانِ الْقِيَامَانِ مَنْسُوخَانِ فَلَا يُؤْمَرُ أَحَدٌ بِالْقِيَامِ الْيَوْمَ , سَوَاءٌ مَرَّتْ بِهِ أَمْ تَبِعَهَا إلَى الْقَبْرِ , ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَجَمَاعَةٌ: هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ.
وَقَالَ آخَرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا: يُكْرَهُ الْقِيَامُ لَهَا إذَا لَمْ يَرِدْ الْمَشْيَ مَعَهَا , مِمَّنْ صَرَّحَ بِكَرَاهَتِهِ سَلِيمُ الرَّازِيّ فِي الْكِفَايَةِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ.
قَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ: الْقِيَامُ لِلْجِنَازَةِ مَكْرُوهٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْفُقَهَاءِ كُلِّهِمْ قَالَ: وَحُكِيَ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيُّ رضي الله عنه أَنَّهُ كَانَ يَقُومُ لَهَا , وَخَالَفَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ الْجَمَاعَةَ فَقَالَ: يُسْتَحَبُّ لِمَنْ مَرَّتْ بِهِ جِنَازَةٌ أَنْ يَقُومَ لَهَا , وَإِذَا كَانَ مَعَهَا لَا يَقْعُدُ حَتَّى تُوضَعَ , وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ هُوَ الْمُخْتَارُ , فَقَدْ صَحَّتْ الْأَحَادِيثُ بِالْأَمْرِ بِالْقِيَامِ , وَلَمْ يَثْبُتْ فِي الْقُعُودِ شَيْءٌ إلَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ رضي الله عنه وَهُوَ لَيْسَ صَرِيحًا فِي النَّسْخِ , بَلْ لَيْسَ فِيهِ نَسْخٌ لِأَنَّهُ مُحْتَمَلُ الْقُعُودِ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قال الحازمي في كتاب ((الاعتبار)) وقد اختلف أهل العلم في هذا الباب فقال بعضهم على الجالس أن يقوم إذا رأى الجنازة حتى تخلفه وممن رأى ذلك أبو مسعود البدري وأبو سعيد الخدري وقيس بن سعد وسهل بن حنيف وسالم بن عبد الله وقال أحمد بن حنبل إن قام لم أعبه وإن قعد فلا بأس به وبه قال إسحاق الحنظلي وقال أكثر أهل العلم ليس على أحد القيام للجنازة روينا ذلك عن علي بن أبي طالب والحسن بن علي وعلقمة الأسود والنخعي ونافع بن جبير وفعله سعيد بن المسيب وبه قال عروة بن الزبير ومالك وأهل الحجاز والشافعي وأصحابه وذهبوا إلى أن الأمر بالقيام منسوخ وتمسكوا في ذلك بأحاديث ثم ذكر الحازمي بإسناده حديث علي بن أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقوم في الجنائز ثم جلس بعد قال هذا حديث صحيح أخرجه مسلم ثم ذكر بإسناده عن مسعود بن الحكم الزرقى أنه سمع علي بن أبي طالب رضي الله عنه في رحبة الكوفة وهو يقول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا بالقيام في الجنازة ثم جلس بعد ذلك وأمرنا بالجلوس ثم ذكر بإسناده عن مجاهد عن أبي معمر قال مرت بنا جنازة فقمنا فقال من أفتاكم بهذا قلنا أبو موسى الأشعري فقال ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مرة كان يتشبه بأهل الكتاب فلما نسخ ذلك ونهى عنه)) انتهى
قال الحازمي: فهذه الألفاظ كلها تدل على أن القعود أولى من القيام قال الشافعي قد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم تركه بعد فعله والحجة في الآخر من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كان الأول واجبا فالآخر من أمره ناسخ وإن كان استحبابا فالآخر هو الاستحباب وإن كان مباحا لا بأس بالقيام والقعود فالقعود أولى لأنه الآخر من فعله صلى الله عليه وسلم انتهى