[رئيس القضاة في الأردن يسأل والشيخ الشنقيطي يجيب (3)]
ـ[شاهين الفودري]ــــــــ[18 - 11 - 07, 12:27 م]ـ
وما ذكرتم من أن عطاء – رحمه الله – جعل المسجد يشمل الكل , وأن المسلمين درجوا على ذلك إلى الآن , فهي مسألة:
هل يجوز دخول الكفار لمسجد من مساجد المسلمين غير المسجد الحرام المنصوص على منع دخولهم له بعد عام تسع من الهجرة في قوله تعالى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28) سورة التوبة.
والعلماء مختلفون: هل يجوز دخول الكفار مسجدا غير المسجد الحرام أو لا؟
فذهب مالك وأصحابه ومن وافقهم إلى أنه لا يجوز أن يدخل الكافر مسجدا من مساجد المسلمين مطلقا.
واستدل لذلك أدلة منها آية التوبة , وإن كانت خاصة بالمسجد الحرام , فعلة حُكْمِها تقتضي تعميمه في جميع المساجد , وقد تقرر في علم الأصول أن العلة قد تُعَمِّم معلولَها تارة , وقد تُخصصه أخرى كما أشار إليه صاحب مراقي السعود بقوله في الكلام على العلة بقوله:
وقد تُخصِّصُ وقد تُعَمِّمُ لأَصْلِها لكنها لا تخْرمُ
وإذا علمت أن العلة تعمم معلولها الذي لفظه خاص , فاعلم أن مسلك العلة المعروف بمسلك الإيماء والتنبيه دل على علة منع قربان المشركين المسجد الحرام بعد عام تسع: أنهم نجس , وذلك واضح من ترتيب الحكم بالنهي عن قربان المسجد بالفاء على كونهم نَجَسا في قوله تعالى: فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ. الآية.
ومعلوم أن جميع المساجد تجب صيانتها عن دخول النجس فيها , فكونهم نجسا يقتضي تعميم الحكم في كل المساجد.
واستدل مالك ومن وافقه أيضا على منع دخول الكفار المساجد مطلقا بآية البقرة على بعض التفسيرات التي فُسِّرت بها , وهي قوله تعالى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (114) سورة البقرة.
فقد فُسر قوله تعالى: أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا , أي ليس لهم دخول المساجد إلا مسارقة خائفين من المسلمين أن يطلعوا عليهم فيخرجوهم منها وينكلوا بهم , وفي تفسير الآية أقوال غير هذا.
وسواء قلنا: إن تخريب المساجد حسي كما فعلت الروم وبختنصر بالمسجد الأقصى المشار إليه بقوله تعالى: فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآَخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (7) سورة الإسراء.
أو قلنا: إن تخريب المساجد المذكور في الآية نخريب معنوي وهو منع المسلمين من التعبد فيها كما فعل المشركون بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه عام الحديبية كما قال تعالى: هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ سورة الفتح , وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (25) سورة الحج , وقوله تعالى: وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ سورة المائدة , وقوله تعالى: وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ سورة البقرة , ومن الآيات التي تشير إلى أن عمارة المساجد هي طاعة الله فيها قوله تعالى: إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (18) سورة التوبة.
¥