و في بيان حرمة المسلم، و ما لا يجوز للمسلم أن يقع فيه مع سائر المسلمين قوله صلى الله عليه و سلم:" إياكم و الظنّ فإنّ الظنّ أكذب الحديث، و لا تحسّسوا، و لا تجسّسوا، و لا تنافسوا، و لا تحاسدوا، و لا تباغضوا، و كونوا عباد الله إخوانا، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه و لا يخذله و لا يحقره، التقوى ههنا … و يشير إلى صدره، بحسب امرئ من الشرّ أ يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام: دمه و عرضه و ماله " (رواه الشيخان)
إنّ عقد الأخوة رابطة بين الشخصين كعقد النكاح بين الزوجين، و يترتب على هذا العقد حقوق المال و البدن و اللسان و القلب، و بمراعاة هذه الحقوق تدوم المودة و تزداد الألفة، و يدخل المتعاقدين في زمرة المتحابين في الله، و ينالان من الأجر و الثواب ما أسلفناه
1) حقوق الأخوة في المال:
- فمن حقوق المال الواجبة إنظاره إلى ميسرة إن كان غريما، قال تعالى:" و إن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة" (البقرة 280)، و قال صلى الله عليه و سلم:" من يسّر على معسر يسّر الله عليه في الدنيا و الآخرة" (مسلم و غيره)
- و من حقوق الأخوة المواساة بالمال: و هي كما قال العلماء على ثلاث مراتب:
1) أدناها أن تقوم بحاجته من فضل مالك، فإذا سنحت له حاجة، وكان عندك فضل، أعطيته ابتداءً ولم تحوجه إلى السؤال، فإن أحوجته إلى السؤال، فهو غاية التقصير في حقّ الأخوة
2) الثانية: أن تنزله منزلة نفسك، و ترضى بمشاركته إياك في مالك
قال الحسن: كان أحدهم يشقّ إزاره بينه و بين أخيه، و جاء رجل إلى أبي هريرة رضي الله عنه و قال: إني أريد أن أواخيك في الله، فقال: أتدري ما حق الإخاء؟ قال: عرّفني، قال أن لا تكون أحقّ بدينارك و درهمك مني، قال: لم أبلغ هذه المنزلة بعد، قال اذهب عني
و قال علي بن الحسين لرجل: هل يُدخل أحدكم يده في كمّ أخيه أو كيسه، فيأخذ منه ما يريد بغير إذنه؟ قال: لا، قال: فلستم بإخوان
3) الثالثة: و هي العليا، أن تؤثره على نفسك، و تقدّم حاجته على حاجتك، و هذه رتبة الصديقين، و منتهى درجات المحبين
قال ابن عمر رضي الله عنهما: أهدى لرجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم رأس شاة، فقال: أخي فلان أحوج مني إليه، فبعث به إليه، فبعثه ذلك الإنسان إلى آخر، فلم يزل يبعث به واحد إلى آخر حتى رجع إلى الأول، بعد أن تداوله سبعة
فكانت هذه المرتبة العليا من الإيثار، هي مرتبة الصحابة الكرام رضي الله عنهم
عن حميد قال: سمعت أنسا رضي الله عنه قال: لما قدموا المدينة نزل المهاجرون على الأنصار، فنزل عبد الرحمن بن عوف على سعد ابن الربيع، فقال: أقاسمك مالي، و أنزل لك عن إحدى امرأتي، قال: بارك الله لك في أهلك و مالك، فآثره بما آثره به، و كأنه قبله ثم آثره به
و قد مدحهم الله عزّ و جلّ بقوله: " و يؤثرون على أنفسهم و لو كان بهم خصاصة " (الحشر9
قال أبو سليمان الداراني: كان لي أخ بالعراق، فكنت أجيئه في النوائب، فأقول: أعطني من مالك شيئا، فكان يلقي إليّ كيسه فآخذ منه ما أريد، فجئته ذات يوم فقلت: أحتاج إلى شيء فقال: كم تريد؟ فخرجت حلاوة إخائه من قلبي و قال آخر: إذا طلبت من أخيك مالا فقال: ماذا تصنع به فقد ترك حقّ الإخاء.
فهذه مراتب المواساة بالمال، فإن لم توافق نفسك رتبة من هذه الرتب مع أخيك فاعلم أنّ عقد الأخوة لم ينعقد بعد في الباطن، و إنما الجاري بينكما مخالطة رسمية لا وقع لها في العقل و الدين، قال ميمون بن مهران: "من رضي من الإخوان بترك الأفضال، فليؤاخ أهل القبور "
2) حقوق الأخوة في البدن:
و يقصد بها الإعانة بالنفس في قضاء الحاجات، و القيام بها قبل السؤال، و تقديمها على الحاجات الخاصة، و هذه أيضا لها درجات كالمواساة بالمال
1) أدناها القيام بالحاجة عند السؤال و القدرة مع البشاشة و الاستبشار و إظهار الفرح و قبول المنة:
قال النبي صلى الله عليه و سلم:"من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة،ومن يسّر على معسّر يسّر الله عليه في الدنيا والآخرة،و من ستر مسلما ستره الله في الدنيا و الآخرة،و الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه "
¥