أرسل الحسن البصري جماعة من أصحابه في قضاء حاجة لأخ لهم، و قال: مروا بثابت البناني فخذوه معكم، فمروا بثابت فقال: أنا معتكف، فرجعوا إلى الحسن فأخبروه فقال لهم: قولوا له يا أعمش أما علمت أن سعيك في حاجة أخيك خير لك من حجّة بعد حجة، فرجعوا إلى ثابت فأخبروه، فترك اعتكافه و خرج معهم
2) الدرجة الثانية: أن تكون حاجة أخيك مثل حاجتك:
كان بعض السلف يتفقّد عيال أخيه بعد موته أربعين سنة، يقوم بحاجتهم، و يتردّد كل يوم إليهم و يمونهم من ماله، فكانوا لا يفقدون من أبيهم إلا عينه
3) أن تقدّم حاجة أخيك على حاجتك، و تبادر إلى قضائها و لو تأخرت حاجتك
قضى ابن شبرمة لبعض إخوانه حاجة كبيرة، فجاء بهدية، قال: ماهذا؟ قال: لما أسديته إليّ، قال: خذ مالك عافاك الله، إذا سألت أخاك حاجة فلم يجهد نفسه في قضائها، فتوضأ للصلاة و كبّر عليه أربع تكبيرات، و عدّه من الموتى
و كان الحسن يقول: إخواننا أحبّ إلينا من أهلنا و أولادنا لأن أهلنا يذكروننا بالدنيا، و إخواننا يذكرون بالآخرة ويدخل في حق المسلم علىأخيه المسلم زيارته له في الله عزّو جلّ، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:"ألا أخبركم برجالكم من أهل الجنة؟ النبي في الجنة، و الشهيد في الجنة، و الصديق في الجنة، و الرجل يزور أخاه في ناحية المصر في الجنة "
و من الصور المشرقة للزيارة في الله عزّ و جلّ، و ما ينبغي أن تشتمل عليه من الأخلاق و الآداب، ما كان بين أبي عبيد القاسم ابن سلام و أحمد بن حنبل رحمهما الله، قال أبو عبيد: "زرت أحمد بن حنبل في بيته فأجلسني في صدر داره، و جلس دوني، فقلت: يا أبا عبد الله، أليس يقال: صاحب البيت أحقّ بصدر بيته؟ فقال: نعم، يقعد و يُقعِد من يريد، قال: فقلت في نفسي: خذ إليك يا أبا عبيد فائدة، قال: ثم قلت له: يا أبا عبد الله، لو كنت آتيك على نحو ما تستحقّ لأتيتك كلّ يوم، فقال: لا تقل، إن لي إخوانا لا ألقاهم إلا في كلّ سنة مرة، أنا أوثق بمودّتهم ممن ألقى كل يوم، قال: قلت: هذه أخرى يا أبا عبيد، فلما أردت أن أقوم قام معي فقلت: لا تفعل يا أبا عبد الله، فقال: قال الشعبي: من تمام زيارة الزائر أن تمشي معه إلى باب الدار، و تأخذ بركابه قال: فقلت يا أبا عبيد هذه ثالثة، قال: فمشى معي إلى باب الدار و أخذ بركابي
و من هذه الصور المشرقة لزيارة السلف بعضهم لبعض و فرحهم بهذه اللقاءات الداعية لمزيد من الإيمان و الحبّ في الله عزّ و جلّ ما رواه الخطيب البغدادي في "تاريخه" عن النقاش أنه قال: " بلغني أنّ بعض أصحاب محمد بن غالب أبي جعفر المقرئ جاءه في يوم وحلٍ وطين، فقال له: متى أشكر هاتين الرجلين اللتين نعبتا إليّ، في مثل هذا اليوم لتكسباني في الثواب؟ ثم قام بنفسه فاستسقى له الماء، و غسل رجليه "
3) حقوق الأخوة في اللسان:
و هي بالسكوت تارة و بالنطق أخرى
1) السكوت على المكاره:
1 - لا يذكر عيوبه:
فمن حق الأخ على أخيه، أن يسكت عن ذكر عيوبه في غيبته و حضرته، بل يتجاهل عنه أما ذكر عيوبه و مساويه في غيبته فهو من الغيبة المحرمة، و ذلك حرام في حق كل مسلم، و يزجرك عنه أمران بالإضافة إلى زجر الشرع: أحدهما: أن تطالع أحوال نفسك، فإن وجدت فيها شيئا واحدا مذموما، فهوِّن على نفسك ما تراه من أخيك، و قدر أنه عاجز عن قهر نفسه في تلك الخصلة الواحدة، كما أنت عاجز عن قهر نفسه في تلك الخصلة الواحدة، كما أنت عاجز عما أنت مبتلى به، و الأمر الثاني: أنك تعلم أنك لو طلبت منزها عن كل عيب اعتزلت عن الخلق كافة، و لم تجد من تصاحبه أصلا
كما قال النابغة الذبياني:
:
و لست بمستبق أخا لا تلُمُّه ... على شعث أيّ الرجال المهذّب
فما من أحد من الناس إلا و له محاسن و مساوئ، فإذا غلبت المحاسن المساوئ فهو الغاية، و المؤمن أبدا يحضر في نفسه محاسن أخيه لينبعث من قلبه التوقير و الودّ و الاحترام، و أما المنافق اللئيم فإنه أبدا يلاحظ المساوئ و العيوب
قال ابن المبارك: المؤمن يطلب المعاذير، و المنافق يطلب العثرات
و قال الفضيل: الفتوة العفو عن زلات الإخوان
2 - أن لا يفشي أسراره:
¥