و أعظم من ذلك تأثيرا في جلب المحبة، الذبّ عنه في غيبته مهما قصد بسوء أو تعرّض لعرضه بكلام صريح، أو تعريض، فحق الأخوة التشمير في الحماية و النصرة و تبكيت المتعنت و تغليظ القول عليه، و السكوت عن ذلك موغر للصدر و منفر للقلب، و تقصير في حق الأخوة
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: " المسلم أخو المسلم، لا يظلمه و لا يحرمه و لا يخذله " (رواه مسلم)
6 - التعليم و النصيحة:
و من ذلك التعليم و النصيحة: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:" الدين النصيحة قالوا لمن يا رسول الله، قال: " لله و لكتابه، و لرسوله، و لأئمة المسلمين و عامتهم " (رواه مسلم)، و بخاصة إذا استنصح الأخ أخاه وجب عليه أن يخلص له النصيحة، كما سلف في الحقوق العامة للمسلمين، و ينبغي أن تكون النصيحة في سرّ لا يطلع عليه أحد فما كان على الملإ فهو توبيخ و فضيحة، و ما كان في السر، فهو شفقة و نصيحة
قال الشافعي رحمه الله: من وعظ أخاه سرا فقد نصحه و زانه، و من وعظه علانية فقد فضحه و شانه و قال رحمه الله:
:
تعمّدني بنصحك في انفرادي ... و جنّبني النصيحة في الجماعة
فإنّ النصح بين الناس نوع ... من التوبيخ لا أرضى استماعه
و إن خالفتني و عصيت قولي ... فلا تجزع إذا لم تعط طاعة
و تتأكد النصيحة كذلك إذا تغيّر أخوك عما كان عليه من العمل الصالح
قال أبو الدرداء: إذا تغيّر أخوك، و حال عما كان عليه، فلا تدعه لأجل ذلك، فإن أخاك يعوج مرة و يستقيم مرة، و حكى عن أخوين من السلف انقلب أحدهما عن الاستقامة، فقيل لأخيه: ألا تقطعه و تهجره؟ فقال: أحوج ما كان إليّ في هذا الوقت لما وقع في عثرته أن آخذ بيده،و أتلطف له في المعاتبة، و أدعو له بالعود إلى ما كان عليه
و الأخوة عقد ينزل منزلة القرابة، فإذا انعقد تأكد الحق ووجب الوفاء بموجب العقد، و من الوفاء به أن لا يهمل أخاه أيام حاجته و فقره، و فقر الدين أشدّ من فقر المال، و الأخوة عند النائبات و حوادث الزمان، و هذا من أشدّ النوائب
و القريب ينبغي أن لا يهجر من أجل معصيته، حتى يقام له بواجب النصيحة، و ذلك لأجل قرابته، قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه و سلم في عشيرته: " فإن عصوك فقل إني بريء مما تعملون " (الشعراء 216)
و لم يقل: إني برئ منكم، مراعاة لحق القرابة و لحمة النسب، و لهذا أشار أبو الدرداء لما قيل له: ألا تبغض أخاك و قد فعل كذا؟ فقال: إنما أبغض عمله و إلا فهو أخي
و كذا التفريق بين الأحباب من محاب الشيطان، كما أن مقارفة العصيان من محابه، فإذا حصل للشيطان أحد غرضيه، فلا ينبغي أن يضاف إليه الثاني
7 - الدعاء له في حياته و بعد مماته:
و من ذلك الدعاء لأخيه في حياته و بعد مماته:
عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: " ما من عبد مسلم يدعو لأخيه بظهر الغيب إلا قال الملك: و لك بمثل (رواه مسلم)
قال النووي رحمه الله: في هذا فضل الدعاء لأخيه المسلم بظهر الغيب، و لو دعا لجماعة من المسلمين حصلت هذه الفضيلة، و لو دعا لجملة من المسلمين فالظاهر حصولها أيضا، و كان بعض السلف إذا أراد أن يدعو لنفسه يدعو لأخيه المسلم بتلك الدعوة، لأنها تستجاب و يحصل له مثلها، جاء في تاريخ بغداد للخطيب البغدادي في ترجمة الطيب إسماعيل أبي حمدون –أحد القراء المشهورين – قال: كان لأبي حمدون صحيفة فيها مكتوب ثلاثمائة من أصدقائه و كان يدعو لهم كل ليلة، فتركهم ليلة فنام، فقيل له في نومه يا أبا حمدون: لِمَ لَمْ تسرج مصابيحك الليلة، قال: فقعد فأسرج، و أخذ الصحيفة فدعا لواحد واحد حتى فرغ
4) حقوق الأخوة في القلب:
من حق المسلم على أخيه في الله عز و جل الوفاء و الإخلاص في محبته و صحبته، و علامة ذلك أن تدوم المحبة، و أن يجزع من الفراق، و من حقه أن تحسن به الظن، و أن تحمل كلامه و تصرفاته على أطيب ما يكون، و من ذلك أن لا يكلف أخاه التواضع له، و التفقد لأحواله، و القيام بحقوقه
1) الوفاء و الإخلاص:
و معنى الوفاء الثبات على الحب و إدامته إلى الموت معه، و بعد الموت مع أولاده و أصدقائه، فإنّ الحبّ في الله إنما يراد به ما عند الله عزّ و جلّ، فلا ينتهي بموت أخيه
قال بعضهم: قليل الوفاء بعد الوفاة، خير من كثيره في حال الحياة ..
¥