تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فمن آفات الصحبة كثرة الزيارات و المجالس التي هي مجالس مؤانسة و قضاء وطر، أكثر منها مجالس ذكر و تذكير و تعاون على البر و التقوى، فيكون في هذه المجالس ضياع الأوقات و ذهاب المروءات و قد يجرّ فضول الكلام إلى ما يغضب الملك العلام، قال النبي صلى الله عليه و سلم: " ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله فيه، إلا قاموا على مثل جيفة حمار، و كان عليهم حسرة يوم القيامة " (قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي و الألباني في الصحيحة)

قال ابن القيم رحمه الله في " الفوائد":

الاجتماع بالإخوان قسمان:

1) أحدهما اجتماع على مؤانسة الطبع و شغل الوقت، فهذا مضرته أرجح من منفعته، و أقل ما فيه أنه يفسد القلب و يضيّع الوقت

2) الثاني: الاجتماع بهم على أسباب النجاة و التواصي بالحق و التواصي بالصبر، فهذا من أعظم الغنيمة و أنفعها، و لكن فيه ثلاث آفات:

1 - إحداها: تزيّن بعضهم لبعض

2 - الثانية: الكلام و الخلطة أكثر من الحاجة

3 - أن يصير ذلك شهوة و عادة ينقطع بها عن المقصود

و بالجملة فالاجتماع و الخلطة لقاح إما للنفس الأمارة، و إما للقلب و النفس المطمئنة، و النتيجة مستفادة من اللقاح فمن طاب لقاحه طابت ثمرته و هكذا الأرواح الطيبة لقاحها

من الملك، و الخبيثة لقاحها من الشيطان، و قد جعل الله سبحانه بحكمته الطيبات للطيبين، و الطيبين للطيبات، و عكس ذلك

2) الإفراط في الحب و البغض:

و من آفاتها الإفراط في الحب و البغض:

عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: قال لي عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يا أسلم لا يكن حبك كلفا، و لا بغضك تلفا، قلت: و كيف ذلك؟ قال: إذا أحببت فلا تكلف كما يكلف الصبي بالشيء يحبه، و إذا أبغضت فلا تبغض بغضا تحب أن يتلف صاحبك و يهلك

و عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: أحبب حبيبك هونا ما، عسى أن يكون بغيضك يوما ما، و أبغض بغيضك هونا ما عسى أن يكون حبيبك يوما ما "

و قال أبو الأسود الدؤلي:

و أحبب إذا أحببت حبا مقاربا ... فإنك لا تدري متى أنت نازع

و أبغض إذا أبغضت غير مباين ... فإنك لا تدري متى أنت راجع

و المقصود الاقتصاد في الحب و البغض، فإنّ الإسراف في الحب داع إلى التقصير، و كذلك البغض، فعسى أن يصير الحبيب بغيضا، و البغيض حبيبا، فلا تكن مسرفا في الحب فتندم، و لا في البغض فتأسف، لأن القلب يتقلب فيندم أو يستحي

قال بعض الحكماء: و لا تكن في الإخاء مكثرا، ثم تكون فيه مدبرا، فيعرف سرفك في الإكثار، بجفائك في الإدبار

و يخشى مع ذلك مع فرط المحبة أن يوافقه على باطل، أو يقصر معه في واجب النصيحة لله عزّ و جل، و قد تنقلب هذه المحبة إلى بغض مفرط، و يخشى عند ذلك إفشاء الأسرار، و ترك العدل و الإنصاف

و عن الحسن قال: أحبوا هونا و أبغضوا هونا، فقد أفرط أقوام في حب أقوام فهلكوا، و أفرط أقوام في بغض أقوام فهلكوا

3) مخالطة المحبة شيء من هوى النفس:

و من آفاتها أن يخالط هذه المحبة التي هي لله عز و جل و في الله عز و جل شيء من هوى النفس، فبدلا من أن يحب في أخيه طاعته لله عز و جل والتزامه بالشرع، يحبه لملاحة صورة أو لمنفعة كإصلاح دنيا، و بدلا من أن يرجو بهذه المحبة ما عند الله عز و جل، و يتقرّب بها إليه، يرجو بها استئناسا بشخصه، أو تحقيقا لغرضه، و هذه المحبة سرعان ما تزول بزوال سببها، او بشيء من الجفاء، فإنه ما كان لله بقى، كما يقال:

ما كان لله دام واتّصل ... و ما كان لغير الله انقطع وانفصل

قال الله عز و جل: " الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدوّ إلا المتقين" (الزّخرف 17)

و قال حاكيا عن خليله أنه قال لقومه:" إنما اتّخذتم من دون الله أوثانا مودّة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض و يلعن بعضكم بعضا و مأواكم النار و ما لكم من ناصرين " (العنكبوت 25)

فنسأل الله أن يجعل محبتنا لمن نحبه خالصة لوجهه الكريم، و مقربة إليه و إلى داره دار السلام و النعيم المقيم، و أن تكون عونا لنا على طاعته، و دفعا لنا عن معصيته

4) الاستكثار من الإخوان:

و من آفاتها الاستكثار من الإخوان، حتى يعجز عن القيام بحقوقهم و مواساتهم عند حاجتهم واضطرارهم

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير