وإنما كل ما فعله المحدثون أنهم أحيوا هذا السب الذي أماته أهل السنة عندما كانت الدولة دولتهم. (هذه الفقرة مأخوذة من البحث القيم للدكتور رشاد خليل).
والذي أوصي به نفسي وإخواني الباحثين في تاريخ الصحابة إلا يتخلوا عن عقيدتهم، ومنها الاعتقاد بعدالة الصحابة وتحريم سبهم عند البحث في تاريخهم، فالله الله أن يؤتى الإسلام من قبلهم، وليعلموا أن لأهل السنة منهجا واضحا في النظر إلى تلكم الأخبار، كما سيأتي في آخر البحث.
الفهرس ( http://arabic.islamicweb.com/shia/belief_sahaba.htm#index)
حكم سب ام المؤمنين عائشة
أما من سب أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بما برأها الله منه، فقد أجمع العلماء انه يكفر.
قال القاضي أبو يعلي: ((من قذف عائشة رضي الله عنها بما براها الله منه كفر بلا خلاف)).
وقد حكي الإجماع على هذا غير واحد من الأئمة لهذا الحكم.
فروي عن مالك: ((من سب أبا بكر جلد، ومن سب عائشة قتل. قيل له: لم؟ قال: من رماها فقد خالف القرآن)). (الصارم المسلول ص 566).
وقال ابن شعبان في روايته، عن مالك: ((لأن الله تعالى يقول: {يعظكم الله ان تعودوا لمثله ابدا إن كنتم مؤمنين} فمن عاد فقد كفر)). (الشفا 2/ 1109).
والأدلة على كفر من رمى أم المؤمنين صريحة وظاهرة الدلالة، منها:
أولا: ما استدل به الإمام مالك، ان في هذا تكذيبا للقرآن الذي شهد ببراءتها، وتكذيب ما جاء به القرآن كفر.
قال الإمام ابن كثير: ((وقد اجمع العلماء رحمهم الله قاطبة على أن من سبها بعد هذا ورماها به بعد هذا الذي ذكر في هذه الآية، فإنه يكفر، لأنه معاند للقرآن)). (راجع تفسير ابن كثير 3/ 276، عند تفسير قوله تعالى {إن الذين يرمون المحصنات. . .}).
وقال ابن حزم - تعليقا على قول الإمام مالك السابق -: ((قول مالك هاهنا صحيح، وهي ردة تامة، وتكذيب لله تعالى في قطعه ببراءتها)). (المحلي 11/ 15).
ثانيا: إن فيه إيذاء وتنقيصا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، من عدة وجوه، دل عليها القرآن الكريم، فمن ذلك:
إن ابن عباس رضي الله عنهما فرق بين قوله تعالى {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا باربعة شهداء} وبين قوله {إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات}، فقال عند تفسير الآية الثانية: ((هذه في شأن عائشة وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم خاصة، وهي مبهمة ليس توبة، ومن قذف أامرأة مؤمنة فقد جعل الله له توبة. . . إلى آخر كلامه. . . قال: فهم رجل أن يقوم فيقبل رأسه من حسن ما فسر)). (انظر ابن جرير 18/ 83، وعنه ابن كثير 3/ 277).
فقد بين ابن عباس، ان هذه الآية إنما نزلت فيمن قذف عائشة وامهات المؤمنين رضي الله عنهن، لما في قذفهن من الطعن على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعيبه، فغن قذف المرأة أذى لزوجها، كما هو أذى لابنها، لأنه نسبة له إلى الدياثة وإظهار لفساد فراشه، وإن زنى امرأته يؤذيه اذى عظيما. . ولعل ما يلحق بعض الناس من العار والخزي بقذف أهله اعظم مما يلحقه لو كان هو المقذوف. (الصارم المسلول ص 45، والقرطبي 12/ 139).
وكذلك فإيذاء رسول الله صلى الله عليه وسلم كفر بالإجماع.
قال القرطبي عند قوله تعالى {يعظكم الله ان تعودوا لمثله ابدا}: ((يعني في عائشة، لأن مثله لا يكون إلا نظير القول في المقول بعينه، او فيمن كان في مرتبته من ازواج النبي صلى الله عليه وسلم، لما في ذلك من إذاية رسول الله صلى الله عليه وسلم في عرضه وأهله، وذلك كفر من فاعله)). (القرطبي 12/ 136، عن ابن عربي في أحكام القرآن 3/ 1355 - 1356).
ومما يدل على أن قذفهن أذى للنبي صلى الله عليه وسلم، ما أخرجه الشيخان في صحييهما في حديث الإفك عن عائشة، قالت: ((فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستعذر من عبد الله بن أبي سلول))، قالت: ((فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو على المنبر -: يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في اهل بيتي. .)) كما جاء في الصحيحين.
فقوله: ((من يعذرني)) أي من ينصفني ويقيم عذري إذا انتصفت منه لما بلغني من اذاه في أهل بيتي، والله أعلم.
فثبت انه صلى الله عليه وسلم قد تاذى بذلك تأذيا استعذر منه.
¥