وتحذيرالعلماء هنا عام يشمل جميع الصحابة، وتأمل قول إمام أهل السنة: ((يذكر أحدا من الصحابة بسوء))، وقول أبي زرعة: ((ينتقص أحدا))، فحذروا ممن ينتقص مجرد انتقاص أو ذكر بسوء، وذلك دون الشتم أو التكفير، ثم في واحد منهم وليس جميعهم، فماذا يقال فيمن سب أغلبهم؟!
وإليك اخي إيضاح لبعض لوازم السب:
أولا: يترتب على القول بكفر وإرتداد معظم الصحابة أو فسقهم إلا نفرا يسيرا، الشك في القرآن الكريم والأحاديث النبوية، وذلك لأن الطعن في النقلة طعن في المنقول، إذ كيف نثق بكتاب نقله إلينا الفسقة والمرتدون - والعياذ بالله - ولذلك صرح بعض أهل الضلال والبدع ممن يسب الصحابة بتحريف الصحابة للقرآن، والبعض أخفى ذلك.
وكذلك الامر بالنسبة للاحاديث النبوية، فاذا اتهم الصحابة رضوان الله عليهم في عدالتهم، صارت الأسانيد مرسلة مقطوعة لا حجة فيها، ومع ذلك يزعم بعض هؤلاء الإيمان بالقرآن.
فنقول لهم: يلزم من الإيمان بالقرآن الإيمان بما فيه، وقد علمت أن الذي فيه أنهم خير الأمم، وأن الله لا يخزيهم، وأنه رضي عنهم. . . ألخ، فمن لم يصدق ذلك فيهم، فهو مكذب لما في القرآن، ناقض لدعواه.
ثانيا: هذا القول يقتضي أن هذه الأمة - والعياذ بالله - شر أمة أخرجت للناس، وسابقي هذه الأمة شرارها، وخيرها القرن الأول كان عامتهم كفارا أو فساقا وإنهم شر القرون. (الصارم 587) كبرت كلمة تخرج من أفواههم.
ثالثا: يلزم من هذا القول، أحد أمرين: إما نسبة الجهل إلى الله تعالى عما يصفون، أو العبث في هذه النصوص التي أثنى فيها على الصحابة.
فإن كان الله عز وجل - تعالى عن قولهم - غير عالم بأنهم سيكفرون، ومع ذلك اثنى عليهم ووعدهم الحسنى فهو جهل، والجهل عليه تعالى محال.
وإن كان الله عز وجل عالما بأنهم سيكفرون، فيكون وعده لهم بالحسنى ورضاه عنهم عبث، والعبث في حقه تعالى محال. (انظر إتحاف ذوي النجابة لمحمد بن العربي التباني ص75).
ويتبع ذلك الطعن في حكمته عز وجل، حيث اختارهم واصطفاهم لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، فجاهدوا معه وآزروه ونصره واتخذهم أصهارا له، حيث زوج ابنتيه ذا النورين عثمان رضي الله عنه، وتزوج ابنتي الصديق وعمر رضي الله عنهما، فكيف يختار لنبيه انصارا واصهارا مع علمه بأنهم سيكفرون؟!.
رابعا: لقد بذل رسول الله صلى الله عليه وسلم جهودا خارقة في تربية الصحابة على مدى ثلاثة وعشرين عاما، حتى تكون بفضل الله عز وجل المجتمع المثالي في خلقه وتضحياته وزهده وورعه، فكان صلى الله عليه وسلم اعظم مرب في التاريخ.
لكن على العكس من ذلك، فإن جماعة تدعي الإنتماء إلى الإسلام ونبي الإسلام، تقدم لهذا المجتمع صورة معاكسة، تهدم المجهودات التي قام بها النبي صلى الله عليه وسلم في مجال التربية والتوجيه، وتثبت له إخفاقا لم يواجهه أي مصلح أو مرب خبير مخلص لم يكن مأمورا من الله، كما كان الشأن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. (صرح بعض من تولى كبر تلكم المزاعم والتهم والضلالات أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينجح، وأن الذي ينجح في ذلك المهدي الغائب - مهديهم -).
إن الإمامية ترى أن المجهودات التي بذلها محمد صلى الله عليه وسلم لم تنتج إلا ثلاثة او أربعة - وفقا لبعض الروايات - ظلوا متمسكين بالإسلام إلى بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، أما غيرهم فقد قطعوا صلتهم بالإسلام - والعياذ بالله - فور وفاته صلى الله عليه وسلم، وأثبتوا أن صحبة النبي صلى الله عليه وسلم وتربيته اخفقت ولم يعد لها أي تأثير.
وهذا الزعم يؤدي إلى اليأس من إصلاح البشرية، وعدم الثقة في المنهج الإسلامي وقدرته على التربية وتهذيب الأخلاق، وإلى الشك في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك أن الدين الذي لم يستطع أن يقدم للعالم عددا وجيها من نماذج عملية ناجحة بناءة، ومجتمعا مثاليا في أيام الداعي وحامل رسالته الأول، فكيف يستطيع أتباعه ذلك بعد مضي وقت طويل على عهد النبوة؟!
¥