[خطبة جمعة: تطهير البيت الحرام]
ـ[عبدالله يعقوب]ــــــــ[23 - 11 - 07, 10:17 م]ـ
هذه خطبة جمعة خطبت بها العام المنصرم وناسب أن يخطب بها في هذه الأيام أسأل الله تعالى أن ينفع بها الجميع وجعلت عنوانها (تطهير البيت الحرام)
الحمد لله الذي يعلم ما تخفي القلوبُ والخواطر، ويرى خائنةَ الأحداق والنواظر، المطّلعِ على خفيّات السرائر، العالمِ بمكنونات الضمائر، المستغني في تدبير الكون عن المشاور والمؤازر.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له مقلّبُ القلوب، وغفارُ الذنوب، وساترُ العيوب، ومفرجُ الكروب.
وأشهد أن نبينا محمداً عبدُه ورسولُه سيدُ الأنبياء والمرسلين، وجامعُ شملِ الدين، وقاطعُ دابرِ الملحدين، صلى الله وسلم عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين وعلى التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ... أما بعد:
فأوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله سراً وجهاراً، ليلاً ونهاراً، فما أفلح عبد وفاز إلا بتقوى الله (فاتقوا الله يا أولي الألباب لعلكم تفلحون).
عباد الله ... إن بيتَ الله الحرام، هو منارةُ التوحيد، بناه إمامُ الموحدين إبراهيم الخليل عليه السلام، وأمره الله أن يطهر بيته من الرجس والأوثان، لأن قدرَ الله الغالب .. ألاَّ مكان للوثنية والشرك عند بيته المحرم.
وإنَّ مِن المطالبِ العاليةِ، والأهدافِ الشرعيةِ الساميةِ، تطهيرَ البيتِ الحرامِ، وتهيئتَه للطوافِ والصلاةِ والقيامِ، أمرَ بذلكَ رَبُ العالمينَ في كتابِهِ الحق المبين، فقال تعالى: (وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ)
وتطهيرُ البيتِ هو عهدُهُ تعالى إلى إبراهيمَ وإسماعيلَ عليهما السلام، قال تعالى: (وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ).
والتَّطهيرُ الذي أمرّ اللهُ بهِ في البيتِ هو تطهيُرهُ من الأصنامِ وعبادةِ الأوثانِ فيه ومن الشركِ بالله، كما قال ابنُ جريرٍ الطبري.
وإذا كانَ تطهيرُهُ مِن الشركِ حتماً لازماً، فإنَّ تطهيرَهُ من المنكراتِ الظاهرةِ بإزالتها، والذنوبِ والمعاصي بهجرهِا، والسلوكياتِ المنحرفةِ بعلاجها يأتي تبعاً لذلك، قال الثعالبي: تطهيرُ البيتِ عامٌ فى الكفرِ والبدعِ وجميعِ الأنجاسِ والدماءِ وغيرِ ذلك.
والمقصودُ أنْ يهيأ البيتُ للصلاةِ والطوافِ والاعتكافِ والذكرِ وسائرِ العبادات.
والمتأملُ في هدي النبي صلى الله عليه وسلم يجدُ ذلك واضحاً جلياً حيث طهَّرَ الكعبةَ المشرَّفةَ مِن الصورِ والأوثان التي فيها، فعن ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما قال: إنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لمَّا قَدِمَ، أبى أنْ يدخلَ البيتَ وفيه الآلهةُ، فأمَرَ بها فأخرجتْ، فأخرجوا صورةَ إبراهيمَ وإسماعيلَ في أيديهما الأزلام، فقالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (قاتَلَهم اللهُ، أمَا واللهِ قدْ علموا أنهما لم يستقسما بها قط). رواه البخاري.
وعن عبد اللهِ بنِ مسعودٍ رضي الله عنه قال: دخَلَ النبيُ صلى الله عليه وسلم مكةَ، وحولَ الكعبةِ ثلاثمائةٍ وستون نُصُباً، فجَعَلَ يطعنُها بعُودٍ في يدِهِ وجَعَلَ يقول: (جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ ... ) الآية. متفق عليه.
ومِنْ هنا يُعلم أنَّ تطهيرَ البيتِ أمرٌ واجبٌ مرغوب، وهو هديُ الأنبياءِ والمرسلين، وشعارُ الهداةِ المصلحين، وأنَّ تدنيسَه والإساءةَ إليه أمرٌ محرمٌ مرهوب، وهو سبيلُ المشركين وشعارُ الفاسقين.
وتأتي أهميةُ تطهيرِ البيتِ لأمورٍ عِدَّة:
أولاً: أنَّه بيتُ الله، أضافه إلى نفسِه إضافةَ تشريفٍ وتعظيم، وتطهيرُ بيتِ اللهِ الحرامِ مقدمٌ على تطهيرِ غيرِهِ من الجوامعِ والمساجد، فضلاً عن بيوتِ الناس.
وثانياً: أنَّه قَرَن تطهيرَ البيتِ بالطوافِ والصلاةِ وهما من أعظمِ الشعائر ولا يمكن أداؤها إلاَّ بتطهيرِ المكانِ والجسد.
وثالثاً: أنَّ المستفيدَ من التَّطهير هم أؤلئك الأخيارُ الأبرارُ من المصلين والطائفين والعاكفين والحجاجِ والعمارِ وزوارِ البيتِ الحرام.
¥