تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد يتساءَل البعضُ: هل ثمَّةَ مجالٌ للتطهيرِ ونحن نَنْعَمُ هذا الزمان -ولله الحمد- بنعمةِ الأمنِ والإيمانِ في بيتِ اللهِ الحرام؟

والجوابُ أنَّ التَّطهيرَ لا يكونُ مِنْ الشِّركِ فقط، بل مِنْ وسائلِهِ الموصلةِ إليه كالبدعِ والمحدثات، وكذا التَّطهيرُ من الذنوبِ الظاهرةِ والباطنة، والنجاساتِ الحسيَّةِ والمعنوية، وغير ذلك، وعلى هذا فلا يزالُ التَّطهيرُ قائماً، وله صورٌ عديدةٌ منها: إقامةُ الدروسِ العلميةِ التي تطَّهر الاعتقادَ والعبادات، والأمرُ بالمعروفِ والنهيُ عن المنكرِ الذي يطهِّرُ الأخلاقَ، والعنايةُ بالنظافةِ التي تطَّهر من النجاسات، وتهيئةُ المسجدِ للصلاة، بل ويدخلُ فيه كلَّ ما يريحُ المصلين والطائفين ويهيئُ لهم الجوَ المناسبَ لأداءِ العبادةِ في يسرٍ وطمأنينةٍ.

ولئنْ سجَّلَ التاريخُ في فتراتٍ سابقةٍ حوادثَ تدنيسٍ مأساويةٍ مرَّتْ على بيتِ اللهِ الحرام كرمي الكعبةِ بالمنجنيقِ على عهد الحجاج، أو استباحةِ القرامطةِ له إبان الدولة العباسية، أو استباحةِ الخوارج له والاعتصام فيه أياماً عدة مطلع هذا القرن، أوتسلّطِ الصفويين وقتلهم الحجاج ورجال الأمن من حولِه، فإنَّ التاريخَ يُسَجِّلُ بكلِ فَخْرٍ واعتزازٍ تلك الجهود الضخمة التي تقومُ بها الجهاتُ المسؤولةُ في بلادِ الحرمين الشريفين في سبيلِ تطهيرِ البيتِ الحرامِ وإعدادِهِ وتهيئتِهِ لإقامةِ مختلفِ العباداتِ فيه.

وفي المقابل قد يتساءل البعض: هل التَّطهيرُ قاصرٌ على المسجدِ الحرامِ فقط؟ أم يشْمَلَ مكةَ جميعاً؟

ولا شك أنَّ الثاني هو الصوابُ، وأنَّ تطهيرَ البلدِ الحرامِ مَطْلَبٌ مُلِّحٌ في وقتٍ فُتحتْ فيه أبوابُ الفتنِ على مصاريعها، ودبَّ إلى بلدِ اللهِ الحرامِ أنواعٌ من المنكراتِ، تستوجبُ تكاتفَ الغيورين من أبنائِها لإزالتِها وتطهيرِ البلدِ الحرامِ منها.

أليس في بلد الله الحرام ... من يتاجر في الحرام!

كمن يبيع أطباقَ القنوات الفضائية التي يشاهد فيها كل قبيح ماجن، أو يبيع المجلات الهابطة، أو يأكل الربا، ويمارس الغش والخداع وأكل أموال الناس بالباطل.

أليس في بلد الله الحرام من يمارس السحر والشعوذة.

أليس في بلد الله الحرام من يقع في الرذائل الخُلُقية والانحرافات السلوكية.

أليس في بلد الله الحرام من يشرب الخمر والمخدرات.

أليس في بلد الله الحرام من يترك الصلوات المفروضات.

فيا أهلَ بلدِ اللهِ الحرام .. يا منْ أكرمكم اللهُ بالجوار الكريم .. والمقام العظيم ..

إنَّ واجبَ التَّطهير لا يُعفى منه إنسان، بل هو الفلاحُ والفخارُ .. يوم يُطَهَّرُ البيتُ الحرامُ .. وتُصانُ فيه الحُرُماتْ .. وتُزالُ عنه المحرَّماتُ والموبقاتُ ..

وإنَّه العارُ والشَّنارُ .. يوم تُستحلُ الحُرُمات .. وتنتشرُ المنكرات ..

ألا فاقْدروا لهذا الجوارِ قدْره .. واعرفوا له حُرمَتَه وحَقَه ..

وليكن الشِّعار .. (رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ).

وفقني اللهُ وإيِّاكم لاغتنامِ الباقياتِ الصالحاتِ ..

واستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين فتوبوا إليه واستغفروه إنه هو التواب الرحيم.

الخطبة الثانية

أما بعد:

أيها المسلمون ...

سكان بلد الله الحرام ... يا من اصطفاكم الله بسكنى البلدة الطيبة ..

إن خدمةَ الحجاج دليل على طيبِ المنبت، ونقاءِ الأصل، وصفاءِ القلب، وحسن السريرة، وربُنا يرحم من عباده الرحماء.

وهاهم وفد الرحمن من العمار والحجاج، قد نزلوا بلدتكم وحلوا بساحتكم، واجبهم البر والإكرام، وبذل المعروف والاحترام.

فعاملوا إخوانكم الحجاج المعاملة الحسنة، تحلوا بحسن السجايا وكريم الشمائل، وعليكم بالرفق والتراحم ونبل التعامل، وأعينوا إخوانكم، وتواصوا بالحق والعدل، وتعاونوا على البر والتقوى، فلن يبقى للإنسان إلا عملُه، والمرء حي بسجاياه، وإن كان موسدًا مع أهل القبور في لحده. وتذكروا أن خدمة الحاج شرف لنا جميعاً.

أخي المسلم ...

ساعد الحاج ولو بأقل القليل .. بحمل متاعه، أو إرشاده لمحل إقامته، أو بكلمة طيبة، أو بابتسامة مشرقة، أو بإلقاء السلام عليه. أو كفَّ أذاك عنه، فهي صدقة من الصدقات. والنبيُ صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق". أخرجه مسلم.

ويقول صلى الله عليه وسلم: (الغازي في سبيل الله والحاج والمعتمر وفد الله، دعاهم فأجابوه، وسألوه فأعطاهم) رواه ابن ماجه والطبراني وحسّنه الألباني.

ألا فأكرموا وفد الله،

ألا فأكرموا وفد الله،

ألا فأكرموا وفد الله،

واحتسبوا الأجر في ذلك منه سبحانه وتعالى.

وصلوا وسلموا على الهادي البشير، والسراج المنير كما أمركم بذلك ربكم فقال: (إِنَّ ?للَّهَ وَمَلَـ?ئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ?لنَّبِىّ ي?أَيُّهَا ?لَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً) وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((من صلى عليَّ صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشرًا)).

اللهم صل على محمد ...

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير