تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومن المؤسف أنه قد انتشر في العصر الحاضر انتشاراً مخيفاً رد الأحاديث الصحيحة لأدنى شبهة ترد من بعض الناس , حتى ليكاد يقوم في النفس أنهم يعاملون أحاديثه عليه السلام معاملة أحاديث غيره من البشر الذين ليسوا معصومين , فهم يأخذون منها ما شاؤوا , ويدعون ما شاؤوا , ومن أولئك طائفة ينتمون إلى العلم وبعضهم يتولى مناصب شرعية كبيرة , فإنا لله وإنا إليه راجعون , ونسأله تعالى أن يحفظنا من شر الفريقين المبطلين والغالين. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم159.

س) - ما حكم التوسل بجاه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟

مما لا شك فيه أن جاهه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومقامه عند الله عظيم , فقد وصف الله تعالى موسى بقوله (وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهاً) الأحزاب69 , ومن المعلوم أن نبينا محمداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أفضل من موسى , فهو بلا شك أوجه منه عند ربه سبحانه وتعالى , ولكن هذا شيء , والتوسل بجاهه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيء آخر , فلا يليق الخلط بينهما كما يفعل بعضهم , إذ إن التوسل بجاهه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقصد به من يفعله أنه أرجى لقبول دعائه , وهذا أمر لا يمكن معرفته بالعقل , إذ إنه من الأمور الغيبية التي لا مجال للعقل في إدراكها , فلا بد فيه من النقل الصحيح الذي تقوم به الحجة , وهذا مما لا سبيل إليه البتة , فإن الأحاديث الواردة في التوسل به صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تنقسم إلى قسمين: صحيح , وضعيف.

أما الصحيح , فلا دليل فيه البتة على المدعى , مثل توسلهم به صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الاستسقاء , وتوسل الأعمى به صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َفإنه توسل بدعائه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , لا بجاهه ولا بذاته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , ولما كان التوسل بدعائه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى غير ممكن , كان بالتالي التوسل به صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد وفاته غير ممكن , وغير جائز.

ومما يدلك على هذا أن الصحابة رضي الله عنهم لما استسقوا في زمن عمر , توسلوا بعمه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العباس , ولم يتوسلوا به صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وما ذلك إلا لأنهم يعلمون معنى التوسل المشروع , وهو ما ذكرناه من التوسل بدعائه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولذلك توسلوا بعده صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بدعاء عمه , لأنه ممكن ومشروع , وكذلك لم ينقل أن أحداً من العميان توسل بدعاء ذلك الأعمى , وذلك لأن السر ليس في قول الأعمى: (اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك نبي الرحمة .... ) , وإنما السر الأكبر في دعائه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له كما يقتضيه وعده صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إياه بالدعاء له , ويشعر به قوله في دعائه: (اللهم فشفعه في) , أي: أقبل شفاعته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أي: دعاءه في , (وشفعني فيه) , أي: اقبل شفاعتي , أي: دعائي في قبول دعائه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في.

فموضوع الحديث كله يدور حول الدعاء , كما يتضح للقاريء الكريم بهذا الشرح الموجز , فلا علاقة للحديث بالتوسل المبتدع , ولهذا أنكره الإمام أبوحنيفة , فقال: (أكره أن يسأل الله إلا بالله) كما في "الدر المختار" , وغيره من كتب الحنفية.

وأما قول الكوثري في " مقالاته ": (وتوسل الإمام الشافعي بأبي حنيفة مذكورة في أوائل تاريخ الخطيب بسند صحيح).

فمن مبالغاته , بل مغالطاته , فإنه يشير بذلك إلى ما أخرجه الخطيب من طريق عمر بن إسحاق بن إبراهيم قال: نبأنا علي بن ميمون قال: سمعت الشافعي يقول: (إني لأتبرك بأني حنيفة , وأجيء إلى قبره في كل يوم – يعني زائراً – فإذا عرضت لي حاجة صليت ركعتين , وجئت إلى قبره , وسألت الله تعالى الحاجة عنده , فما تبعد عني حتى تقتضى) , فهذه رواية ضعيفة , بل باطلة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير