تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ثانيا: أن تكون كثيرة جدا يصعب ذبحها، أو يكون في ذبحها ضرر بالغ على من يتولى ذلك بانتقال المرض إليه، أو يكون انتقال المرض لغيرها بسرعة لا يمكن معه ذبحها على الطريقة الشرعية، فهنا يجوز قتلها بالنار، أو بغيرها من الطرق المناسبة للقضاء على هذا الداء، فمقصد حفظ أرواح الناس التي جاء الشرع بحفظها والتحذير من إزهاقها بلا حق مقدم على رعاية هذا الجانب (وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً) (المائدة:32) وقد جاءت جملة من الأحاديث متضمنة جواز ذلك منها:

ما رواه أبو هريرةَ رضيَ اللهُ عنه أن رسول اللهِ صلى الله عليه وسلّم قال: (نزَلَ نبيّ منَ الأنبياءِ تحتَ شجرةٍ فلَدَغتهُ نملة، فأمرَ بجَهازهِ فأخرجَ من تحتها، ثم أمرَ بيتها فأحرِقَ بالنار، فأوحى اللهُ إليهِ: فهَلا نملةً واحدة). البخاري (3249)، ومسلم (5802). قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: " واستدل بهذا الحديث على جواز إحراق الحيوان المؤذي بالنار من جهة أن شرع من قبلنا شرع لنا إذا لم يأت في شرعنا ما يرفعه، ولا سيما إن ورد على لسان الشارع ما يشعر باستحسان ذلك " ا. هـ فتح الباري (6/ 515) وهذا النبي عليه الصلاة والسلام لم يقع عليه العتب في أصل القتل ولا في الإحراق، بل في الزيادة على النملة الواحدة. شرح مسلم للنووي (14/ 196) ومن رأى المنع من ذلك ذكر أنه هذا الحديث شرع لمن قبلنا، وقد نسخه شرعنا بتحريم ذلك بما ذكرته من أدلة في القول الأول. شرح مسلم (14/ 196) فتح الباري (6/ 515) عمدة القاري (15/ 196) مرقاة المفاتيح (7/ 702) عون المعبود (14/ 176).

قال القرطبي رحمه الله تعالى: " وقوله: «ألا نملة واحدة» دليل على أن الذي يؤذِي يؤذَى ويقتل، وكلما كان القتل لنفع أو دفع ضرر فلا بأس به عند العلماء." ا. هـ التفسير (13/ 169).

قال البجيرمي " ولذا يكره قتل القمل والبق، والبراغيث، وسائر الحشرات بالنار لأنه من التعذيب وفي الحديث «لا يعذب بالنار إلا رب النار» قال الجزولي وابن ناجي: وهذا ما لم يضطر لكثرتهم فيجوز حرق ذلك بالنار، لأن في تنقيتها بغير النار حرجاً ومشقة " ا. هـ تحفة الحبيب (3/ 463).

أما المالكية والحنابلة فنصوا على أن قتل النمل وغيره بالنار مكروه لا محرم

قال الدردير رحمه الله تعالى " (وكُرِهَ حرقُ القَمْلِ والبرغوثِ ونحوهما) كبق وجميع خشاش الأرض بالنار، ولا يكره بشمس ولا قصع أو فرك، ولما كان الأصل فيها الإيذاء وإن لم تؤذ بالفعل بالنار لما فيها من التعذيب ولم يحرم. والحاصل أن قتل جميع الحشرات بالنار مكروه وبغيرها جائز، وإن لم يحصل منه أذيته بالفعل، وأما النمل بالنون والنحل ـ بالحاء المهملة ـ والهدهد والصرد فإن حصل منها أذية ولم يقدر على تركها فيجوز قتلها ولو بالنار، فإن لم تؤذ حرم قتلها ولو بغير النار، فإن آذت وقدر على تركها فيكره القتل ولو بالنار " ا. هـ الشرح الصغير على أقرب المسالك (4/ 758).

وقال النفراوي المالكي رحمه الله تعالى: " (وَيُكْرَهُ) عَلَى جِهَةِ التنْزِيهِ (قَتْلُ) نَحْوِ (الْقَمْلِ وَالْبَرَاغِيثِ) وَسَائِرِ الْحَشَرَاتِ (بِالنارِ) لأَنَّهُ تَعْذِيبٌ وَتَمْثِيلٌ بِخَلْقِ اللَّهِ. وَفِي الْحَدِيثِ: [لا يُعَذِّبُ بِالنارِ إلا رَب النارِ]. وَفِي الذَّخِيرَةِ عَنْ الْبَيَانِ: كَرِهَ مَالِكٌ وَضْعَ الثَّوْبِ عَلَى النارِ بِخِلافِ الشمْسِ لِمَا يُخْشَى مِنْ حَرْقِ الْحَيَوَانِ, لا يُقَالُ: مُقْتَضَى ذَلِكَ حُرْمَةُ حَرْقِهَا لا كَرَاهَتُهُ, لأَنَّا نَقُولُ: إنَّمَا كُرِهَ وَلَمْ يَحْرُمْ لأَنَّ الأَصْلَ فِيهَا الإِيذَاءُ وَلا سِيَّمَا الْبَقُّ, وَهَذَا مَا لَمْ يَعْظُمْ أَمْرُ مَا ذُكِرَ لِكَثْرَتِهِ وَإِلا جَازَ حَرْقُهُ بِالنّارِ لأَنَّ تَتَبعَهُ بِغَيْرِ النارِ حَرَجٌ وَمَشَقَّةٌ " ا. هـ الفواكه الدواني شرح رسالة القيرواني (2/ 566) حاشية العدوي على كفاية الطالب (2/ 656).

قال الرحيباني الحنبلي رحمه الله في مطالب أولي النهى " (وَسُئِلَ الشيْخُ) تَقِي الدِّينِ: (هَلْ يَجُوزُ إحْرَاقُ بُيُوتِ النّمْلِ بِالنارِ؟ فَقَالَ: يُدْفَعُ ضَرَرُهُ بِغَيْرِ التحْرِيقِ) –وعلق الرحيباني قائلا- إنْ انْدَفَعَ, وَإِلا ; جَازَ بِلا كَرَاهَةٍ, ذَكَرَهُ النَّاظِمُ " ا. هـ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير