وفي الثمانينيات أصدر القصيمي كتابين (الكون يحاكم الإله) 1981م و (يا كل العالم لماذا أتيت) 1986م، فلم يلقيا أي اهتمام وحتى الرد العاصف الذي واجهه كتاب (العرب ظاهرة صوتية) عام 1977م، ظل غائباً كلياً هذه المرة، يقول فازلا: فحسب علمي لم تنشر أي قراءة نقدية لهذين الكتابين، وكانت ظاهرة التجاهل الكامل هذه توصف في الوسط الشخصي المحيط بالقصيمي بأنها ستار الصمت الذي أسدل أمام الكاتب منذ عام 1980م تقريباً.
يبقى تساؤل حول مؤلفاته الإلحادية والموضوعات التي تحدث فيها عنها: يقول د / فازلا:
((مؤلفاته بعيدة كل البعد عن أن تكون نظاماً فلسفياً مترابطاً ومحكماً، فهو لا يتبع في أي كتاب من كتبه خطاً منهجياً متتابعاً ومحكم الحجة، بل إن مؤلفاته الأخيرة هي أقرب إلى طائفة من الحكم والمقولات المركزة التي تتناول موضوعات متنوعة، تتبدل وتتكرر دائماً ويدور الحديث حولها بالمعنى الحرفي للكلمة، ولذلك لا يجد نقاد القصيمي صعوبة في اتهامه بأنه كان من الأفضل لو أسقط فصولاً كاملة من كتبه؛ لأنها ليست سوى تكرار لنفس الأفكار وشرح مستفيض لنفس الموضوعات يصل إلى حد الإطناب ... ، وما نلاحظه في كتابات القصيمي من لف ودوران على صعيد الموضوع والمضمون ينطبق أيضاً على الأسلوب اللغوي، فهو لا يكتفي بإيجاد الكلمات المناسبة بشكل خاص للتعبير عن مسألة معينة، وإنما يصُفُّ جميع المترادفات المتوفرة لمفهوم معين خلف بعضها .. ، والنتيجة التي تسفر عنها هذه الطريقة في الكتابة هي جمل هائلة حقاً تملأ فيها))
ص 145.
أما مضمون كتبه الإلحادية الأخيرة فهو التمحور حول ثلاثة موضوعات:
الأول: تفسير الدين والتدين والوحي،
والموضوع الثاني: الحديث عن الله - جل وعلا- في الديانات السماوية،
والثالث: الموقف من العرب وبالأخص من القومية العربية، أما الموضوعان الأوليان فقد كررهما كثيراً في كتبه معبراً عن رأيه فيهما بطريقة استفزازية، وبصراحة وقحة، واستخفاف بمشاعر القارئ المؤمن، فهو يرى أن الدين تعبير حياتي يعود إلى طبيعة النفس البشرية وحاجاتها وكل شعائر الأديان تعبيرات يختلقها الإنسان؛ لإشباع حاجات نفسية، ثم يضفي عليها طابع التقديس لحاجته النفسية إلى الأمن والطمأنينة. أما حديثه عن الوحي فيبين عن مدى الارتكاس الإلحادي الذي وصل إليه القصيمي، فهو يرى أن الوحي شكل مرضي من أشكال رد الموحى إليه على المشاكل الاجتماعية والنفسية التي يتعرض له، ويرى أن النبوة هي تعبير عن الألم النفسي والقنوط الدنيوي اللذين يؤثران على التصورات الدينية التي يتسببان في نشوئها.
أما الله (جل جلاله) فهو يرى أنه مرآة للإنسان والمجتمع فهو يكتسب صفاته تبعاً لثقافة المجتمع (سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيراً) وكان يتفادى بادئ الأمر التكلم عن (الله الواحد الأحد) ويستعمل بدلاً من ذلك تعبير (الإله) وكثيراً ما يأتي بصيغة الجمع (الآلهة) أو يستعمل كلمة (الألوهية) أما في كتاباته المتأخرة في الثمانينيات فقد سقطت هذه المحظورات، وأخذ يستعمل بصورة متزايدة كلمة (الله) مباشرة في جُرأة إلحادية وقحة، تبين عن مدى إصراره على الإلحاد ورفض الدين.
وأما الموضوع الثالث في كتبه المتأخرة، وهو الموقف من العرب، فيعبر عنه كتابه (العرب ظاهرة صوتية) فقد شن هجوماً على جميع العرب وصل إلى حد التحقير العنصري، فهو يصف الطابع العربي بأنه وضيع إنسانياً، ويصف العرب بأنهم ظاهرة صوتية، وبلغ في تصويره العنصري للعرب في كتابه (يا كل العالم لماذا أتيت؟) بأن قال:
(إن المرأة العربية الإسلامية لا تلد إلا كائنات أقل شأناً من الأطفال الآخرين فيما يتعلق بمستواهم الذهني والنفسي وبقدرتهم على الإبداع)
وفي مقال له يصل إلى حد اعتبار العروبة نقيضاً للحضارة.
يقول فازلا: ((في جميع كتاباته بعد عام 1963م يصف القصيمي العرب وتاريخهم بعبارات (التخلف) و (الرجعية) و (الضعف) إضافة إلى ذلك يستعمل التعبير بين المتضادين اللذين وضعهما المؤرخ المغربي ابن خلدون وهما (البداوة) و (الحضارة) لكي يصف جميع صفات العرب بأنها غير حضارية)).
- المحطة الثانية (الانسحاب النهائي):
¥