ولقد اعترف "فوكوياما" الأمريكي ذو الأصل الياباني في كتابه الجديد "الانهيار العظيم"، أن الخمسين سنة الأخيرة من القرن الماضي شهدت انهياراً عظيماً للعلاقات والأخلاق الاجتماعية والروابط الأسرية بالدول المتقدمة، وقال: إن هذه الحضارة -بما فيها من ثورة تكنولوجية، وانتقال المجتمع من عصر الصناعة إلى عصر المعلومات والأقمار الصناعية، والإنترنت، والبريد الإلكتروني، والفاكس، وغيرها- هي السبب الذي أزال الحدودَ الثقافية والحضارية بين المجتمعات المستقرة منذ زمن طويل، وذلك أدى إلى بداية ظاهرة الانهيار العظيم التي اتسمت بتدهور خطير في الظروف الاجتماعية في معظم الدول الصناعية، فازدادت معدلاتُ الجريمة، وتسارع انهيارُ العلاقات والروابط بين أفراد الأسرة المؤسسة الاجتماعية المستقرة منذ مئات السنين، وكذلك معدلات الخصوبة في معظم الدول الأوربية حتى باتت تنذر بانقراض هذه الشعوب مع تراجع معدلات الزواج، وقلة المواليد إلى حد أن ثلث الأطفال بالولايات المتحدة ينشأون خارج مؤسسة الزواج، في حين تبلغ هذه النسبة 50% في الدول الإسكندنافية.
• عولمة الإباحية والشذوذ:
ولا غرابة على مجتمع تعصف به الرذيلةُ من كل جانب وتسودُ فيه الإباحيةُ بكل صورها أن يجد في داخله من يسعى لتقنين الرذائل والسعي لنشرها على مستوى العالم، وهذا ما حدث في مؤتمر المرأة ببكين عام 1995م، ثم في مؤتمر الأمم المتحدة للمرأة عام 2000م في نيويورك، ففي هذا المؤتمر الأخير رفضت الدولُ العربية والإسلامية قرابة 40 فقرة في البيان الختامي للمؤتمر تخالف الشرائعَ السماوية، وتركز على ما يسمى "حقوق الشواذ"، وحقوق السيدات في الإجهاض، وإقامة علاقات جنسية حرة، وهو ما يعني إباحة الإجهاض والبغاء والشذوذ الجنسي وتشجيع الإباحية.
وقد تصاعدت حدةُ الخلافات بين أنصار الحرية الجنسية للمرأة والرافضين لهذه الأفكار التي يترتب عليها أخطارٌ اجتماعية كبيرة في المؤتمر، واتهمت منظمات وجمعيات تؤيد الحريات الجنسية كلاً من الفاتيكان وبعض الدول الإسلامية بعرقلة مفاوضات الأمم المتحدة بشأن ما أسموه "حقوق النساء"، في حين قال خصومُ هذه الحريات الجنسية ومعارضو الإجهاض: إن الغرب يحاول فرض "استعمار جنسي" على بقية العالم.
فالغرب يسعى اليوم -ومن خلال الهيئات الدولية- إلى نشر الإباحية والشذوذ على المستوى العالمي، وقد دعت بعضُ الدول الغربية الأممَ المتحدة إلى تقنين العلاقات الزوجية غير الشرعية وحماية حقوق الشواذ، وقدمت مقترحاتٍ طالبت فيها صندوقَ الأمم المتحدة للمعاشات بإجراء دراسة للأنماط الاجتماعية والعلاقات الزوجية الجديدة، ومن بينها الزواج بين ذوي الجنس الواحد؛ بهدف تغيير القواعد وتقنين العلاقات بين الشواذ، ومنحهم الحقوق والامتيازات نفسها في الصندوق.
وتأتي هذه المحاولاتُ في إطار سعي الدول الغربية الحثيث منذ المؤتمر العالمي الرابع للمرأة في بكين عام 1995م لفرض عدد من المفاهيم والعادات والتقاليد، التي تخالف الشرائع السماوية والأعراف والقيم السائدة في مجتمعات الدول الإسلامية، من خلال الإصرار على الاعتراف بالتوجهات الجنسية المختلفة وتقنينها، وحماية العلاقات الزوجية غير الشرعية أو القائمة على الشذوذ الجنسي بموجب القوانين الوطنية.
وقد اتهمت الدولُ الغربية الدولَ المعارضة لتلك التوجهات -وعلى رأسها الدول الإسلامية- بانتهاك حقوق الإنسان، وبعدم احترام المساواة والحريات الشخصية (!)، وهو الأمر الذي رفضته الدولُ الإسلامية مؤكدةً ضرورة عدم السماح بتفشي مظاهر الانحلال الغربي الذي يتسبب في كثير من المآسي، وعلى رأسها مرض الإيدز داخل المجتمعات المؤمنة والمتمسكة بدينها وتقاليدها، وضرورة استخدام كل السبل المتاحة للتصدي لمحاولات بعض الدول الغربية فرض قيمها وتقاليدها وعاداتها المتعلقة بالمرأة، والعلاقات الجنسية والزوجية غير الشرعية على كل المجتمعات بغير تمييز، ومعارضة المقترحات الغربية التي تسعى إلى الاعتراف وإعطاء الشرعية إلى العلاقات الشاذة على الصعيد الدولي.
هذا إلى جانب حشد القوى الإسلامية والكاثوليكية المتمسكة بأحكام الدين والقيم لتوحيد المواقف، في إطار مواجهة الدول الغربية التي اعترفت بالأنماط الاجتماعية الجديدة الشاذة كالنرويج وكندا وهولندا وألمانيا، وتسعى لإعطاء الشرعية لهذه العلاقات الشاذة على المستوى العالمي.
• المراجع:
- دعوة إلى العفة في أمريكا!! – لها أون لاين – 28/ 05/2004م.
- الثورة الإباحية - مجلة الفرقان - العدد 126 السنة الثانية عشرة - رجب 1412 هـ أكتوبر 2000م.
- هجمة صهيونية عبر الإنترنت - حسني عبد المعز عبد الحافظ - الجندي المسلم - العدد 99 - ربيع الأول 1421هـ.
- الانهيار العظيم للأخلاق الاجتماعية - مجلة المجتمع - العدد 1399 - السنة 31 - 5 صفر 1421هـ - 9 مايو 2000م.
- المرأة عام 2000م والتآمر العالمي عليها - موقع رابطة العالم الإسلامي على الإنترنت - 13 نوفمبر 2000م.
- حوار حول الإباحية في الإنترنت - سلطان الخثلان - الجندي المسلم - العدد 102 - ذو الحجة 1421هـ مارس 2001م.