[البلاغ المبين]
ـ[محمد بن عبد المجيد المصري]ــــــــ[08 - 12 - 07, 02:18 م]ـ
[البلاغ المبين]
محمد بن عبدالمجيد المصري
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد:-
جعل اللّه تعالى مهمة رسله وأنبيائه وأتباع رسله هي البلاغ، أي إبلاغ دعوة الحق إلى جميع الناس وإلى الثقلين، ولكنه ليس كأي بلاغ إنه (البلاغ المبين) ولفظ البلاغ المبين جاء في القرآن في سبعة مواطن، وهي:
1 - وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَاحْذَرُواْ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ [المائدة: 92]
2 - وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ وَلا آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ [النحل: 35]
3 - فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ [النحل: 82]
4 - قلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ [النور: 54]
5 - وَإِن تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِّن قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ [العنكبوت: 18]
6 - وَمَا عَلَيْنَا إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ [يس: 17]
7 - وأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ [التغابن: 12]
وقفة مع اللغة:
كلمة بلغ: تعنى وصل أو قارب على الوصول.
يقول ابن فارس: (الباء واللام والغين أصل واحد، وهو الوصول إلى الشيء: بلغت المكان إذا وصلت إليه، وقد تسمى المشارفة بلوغاً بحق المقاربة) (1 (
وقال الأزهري: (والعرب تقول للخبر يبلغ أحدهم ولا يحققونه، وهو يسوؤهم: سمع لا بلغ، أي تسمعه ولا يبلغنا، ويجوز سمعاً لا بلغا) (2)
وقال في اللسان: رجل بليغ: حسن الكلام فصيحة، يبلغ بعبارة لسانه كنه ما في قلبه) (3) وبيان يذاع في رسالة ونحوها (4) وهذا دليل على أن استعمال كلمة البلاغ إنما كان لما فيه من طبيعة الوصول والانتهاء.
يقول الشيخ السعدي رحمه الله تعالى في تفسير قوله تعالى: "وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ" أي: البلاغ المبين الذي يحصل به توضيح الأمور المطلوب بيانها وما عدا هذا من آيات الاقتراع ومن سرعة العذاب فليس إلينا، وأن وظيفتنا هي البلاغ المبين.
?من مقتضيات البلاغ المبين:
أ - عدم التقصير في البلاغ: قال _تعالى_:" يأيها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدى القوم الكافرين" (المائدة66) يقول القرطبي رحمة الله: "وهذا تأديب للنبي صلى الله عليه وسلم وتأديب لحملة العلم من أمته ألا يكتموا شيئاً من شريعته" (5)
ب - توفر عنصر الوعي لدى المبلغ: قال صلى اللّه عليه وسلم_ (نضر اللّه امرءاً سمع مقالتي فوعاها وحفظها وبلغها، فرّب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ... " الحديث رواه أحمد، استفاد الخطابي من هذا الحديث كراهة اختصار الحديث لمن ليس بالمتناهي بالفقه، وعلى هذا فإن الوعي يكون بحفظ النص وأدائه كما قيل، ويكون للفقيه بمحافظته على المعاني المستفادة.
ج - ومن مقتضيات البلاغ المبين البلاغة: وتتضح البلاغة المقصودة في قوله _تعالى_: "وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً" (النساء: من الآية63) ويقصد بها أن يكون الكلام حسن المعاني واضح في ألفاظه مع تجنب وحشي الكلام وغريبه ولا يقصد بالبلاغة التكلف والتشدق والتفيهق، فهذا مخالف لمنهج السلف الصالح _رضوان الله عليهم_ فقد (مرّ السلف الصالح في بث الشريعة للمؤالف والمخالف، ومن نظر في استدلالهم على إثبات الأحكام التكلفية علم أنهم قصدوا أيسر الطرق وأقربها إلى عقول الطالبين، لكن من غير ترتيب متكلف، ولا نظم مؤلف، بل كانوا يلقون الكلام على عواهنه ولا يبالغون كيف في ترتيبه إذا كان قريب المأخذ سهل الملتمس) (7)
د - ومن فقه البلاغ المبين كراهة الخوض فيما لا ينبني عليه عمل:
¥