[العبادة]
ـ[محمد عامر ياسين]ــــــــ[09 - 12 - 07, 07:38 م]ـ
العبادة ومفهومها
(1 - 4)
الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفةً لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين، خلق الخلق ليعبدوه، ويسر لهم سبل الهدف الأكبر من خلقهم، فجعل لهم الليل سكناً والنهار معاشاً والأرض فراشاً، وقال لهم بعد كل تلك النعم: {اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُه {وأشهد أن محمداً رسول الله، خير من صلّى وسجد، وصام وعبد، ووضح العبادة كما هي، وأفردها لله عن الشريك والنديد- صلى الله عليه وسلم- تسليماً كثيراً، أما بعد:-
فمن نظر في آيات الله الكونية وما خلق الله –تعالى- مما يراه بأم عينيه، وجد أن ذلك الخلق كائن من قوة عظيمة فاعلة، لها القوة المطلقة، والقدرة الكبيرة على التصرف في هذا الكون، وهو الله جل في علاه.
{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}.
{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ}
ولما كان الله –تعالى- هو صاحب القدرة المطلقة، التي لا يقف دونها شيء اقتضى العقل الصحيح باتفاق مع النقل الصحيح الصريح أن يكون هو المعبود المطاع؛ لأنه أعلم بخلجات قلوب الكائنات في هذا الكون الفسيح ...
وعبادة الله هي الغرض من خلق الجن والإنس في هذا الكوكب الصغير .. فكان لا بد من بيان العبادة، وما مفهومها؟ وكيف أصبح الناس تجاهها بين سابق إلى الخيرات، ومقتصد، وظالم لنفسه .. ولا حول ولا قوة إلا بالله ..
وقبل أن نشرع في بيان أنواع العبادات لا بد أن نفهم: ما هي العبادة؟ هل هي ما يظنه كثير من الناس اليوم من صلاة وصيام وزكاة وحج، أم أن لها مدلولات إضافية أخرى .. وهل هي محصورة في ما سبق، أم أنها تشمل كافة مناحي الحياة؟! كل ذلك ما سنعرفه في السطور القادمة ..
تعريف العبادة: لغة: الخضوع والذل والانكسار، يقال: طريق معبَّد، أي مذلّل للمارين عليه، ومنه سمي الأسير من الكفار عبد؛ لأنه ذليل، قال ابن منظور: (والعبادة: الطاعة، وقوله تعالى: {وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ} أي دائنون، وكل من دان لملك فهو عابد له، قال ابن الأنباري: فلان عابد وهو الخاضع لربه المستسلم المنقاد لأمره، وقوله -عز وجل-: {اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ} أي أطيعوا أمره، والمتعبد: المنفرد بالعبادة). [1]
قال الزبيدي: (والعبادة الطاعة، وقال بعض أئمة الاشتقاق: أصل العبودية الذل والخضوع، وقال آخرون: الرضا بما يفعل الرب، والعبادة فعل ما يرضى به الرب). [2]
يقول ابن فارس- وهو من أقدم من ألف في المعاجم العربية، وهو قبل ابن منظور والزبيدي-:
(عبد: العين والباء والدال أصلان صحيحان، كأنهما متضادان، والأول من ذينك الأصليين يدل على لين وذُلّ، والآخر على شدة وغِلط، قال الخليل: وأما عبد يعبد عبادة فلا يقال إلا لمن يعبد الله تعالى، يقال منه: عبد يعبد عبادة، وتعبَّد يتعبَّد تعبداً، فالمتعبِّد: المتفرد بالعبادة، واستعبدتُ فلاناً: اتخذته عبداً .. ثم قال ابن فارس رحمه الله: ومن الباب البعير المعبَّد أي المهنوء – المطلي- بالقطِران، وهذا أيضاً يدل على ما قلناه؛ لأن ذلك يُذله ويخفض منه، قال طرفة بن العبد:
إلى أن تحامَتْني العشيرة كلها وأُفرِدتُ إفراد البعير المعبَّد
والمعبَّد؛ الذلول، يوصف به البعير أيضاً، ومن الباب: الطريق المعبَّد، وهو المسلوك المذَلّل ... ) [3]، ثم ذكر الأصل الآخر الذي يدل على الصلابة والقوة.
من خلال ما سبق يتبين لنا المعنى اللغوي لكلمة (عبادة) وعبودية، وهي مشتقة من أصولها الثلاثة (عبد) التي تدل على الذل واللين والخضوع، وهذا المعنى هو المستعمل في عامة المفردات.
¥