تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

العبادة شرعاً: لا نطيل في ذكر المعاني الشرعية للعبادة؛ لأن الشيء يعرف من أصله، فإذا عرفنا أصل معنى العبادة أنه الخضوع والذل ... فمعناها في الشرع: الخضوع والذل الكامل لله –تعالى- في كافة شؤون الحياة، وبجميع الآلات: القصد، والكلام، والفعل، حباً وخضوعاً ورجاءً وخوفاً من الله تعالى ..

ومن هذا المعنى نأخذ أنه لا يجوز أن نخضع خضوع الذلة والمسكنة والعظمة إلا لله عز وجل ..

وقد عرف شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- العبادة تعريفاً جامعاً مانعاً يدل على فقه الرجل ومعرفته بعامة العلوم الشرعية، يقول:

العبادة: هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة، فالصلاة والزكاة والصيام والحج، وصدق الحديث، وأداء الأمانة، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، والوفاء بالعهود، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد للكفار والمنافقين، والإحسان للجار واليتيم والمسكين وابن السبيل، والمملوك من الآدميين والبهائم، والدعاء، والذكر، والقراءة وأمثال ذلك من العبادة). [4] وعدد أنواعاً أخرى من العبادة ..

وبهذا التعريف يتضح لنا أن الحياة كلها لله، مصداقاً لقوله –تعالى- عن إبراهيم: {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (79) سورة الأنعام، وقوله في آخر السورة: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ* لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (162 - 163) سورة الأنعام.

ومن عظمة هذا التوجه الشامل لنبينا إبراهيم -عليه السلام- كان النبي-صلى الله عليه وسلم- يجمع بين هذه الآيات في دعاء الاستفتاح؛ حيث ورد في الحديث: (وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين). رواه مسلم وأحمد.

وفي رواية: (وأنا أول المسلمين) كما في الآية.

والمقصود أن العبادة شاملة لجميع حياة الإنسان، وذلك يظهر من قوله-تعالى-: {وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} فجعل البداية (محياي) والنهاية (مماتي) وما بينهما كله لله رب العالمين .. وسيأتي بيان ذلك واضحاً جلياً – إن شاء الله- في فصل مفهوم العبادة الشامل ...

وشيخ الإسلام قد قال: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة .. فالأقوال هي عبادات اللسان كالذكر والدعاء .. والأعمال الظاهرة كالصلاة والصيام والحج وغيرها .. والأعمال الباطنة هي أعمال القلب كالحب والخوف والرجاء وغيرها .. فجمع التعريف كل ما تقوم به العبادة من: القلب واللسان والجوارح ...

حاجة الناس إلى العبادة:

حاجة الناس إلى العبادة متعلقة بأن العبد مفطور على حب الله وعبادته واللجوء إليه، ولهذا قال-صلى الله عليه وسلم-: (كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه) متفق عليه، فالأصل أن الناس مفطورون على حب الله وعبادته {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (30) سورة الروم.

وكذا يتضح لنا حاجة الناس إليها من خلال تكوين العبد الخلقي، فهو مكون من جسد وروح، فالجسد يحتاج إلى التغذية المستمرة، وغذاؤه الأكل والشرب، والروح لا بدَّ له من غذاء، وغذاء الروح هو الغذاء الإلهي التعبدي، ولهذا لما كان الجسد من الطين الدال على السفل والدنو والثقل، كان غذاؤه من الأسفل ومن الطين، ولما كانت الروح من أمر الله ومن روحه كان الغذاء لا بد أن يأتي من علو من عند الله –تعالى-، فإذا اجتمع الأمران وامتزجا في بدن العبد حصلت الصحة والاعتدال والراحة في الإنسان، وإذا اختل الغذاء الروحي الإيماني تكدرت الحياة، وأصبحت جحيماً لا يطاق!! وإذا ارتفع الغذاء الروحي وبلغ ذروته فإن قلة أو ضعف الغذاء الجسدي يعوضه ذلك الغذاء الروحي .. ومن هذا يتضح لنا السبب في كون النبي -صلى الله عليه وسلم- يمسك عن الأكل ويواصل صيامه يومان فأكثر، ولما سأله الصحابة عن ذلك قال: (وأيكم مثلي! إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني) رواه مسلم, ولهذا كان كثير من

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير