تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

العارفين بالله يصومون جل أيام عمرهم، ولا يأكلون إلا قليلاً، ومع هذا يجدون من لذة الذكر والقرآن لذة لا تقارنها لذة أصلاً!! فقلة الغذاء الجسدي ناب عنه الغذاء الروحي الإلهي، لكن المشكلة عندما يضعف أو يعدم الغذاء الروحي الإلهي فإن الحياة تتكدر على العبد، بقدر ما نقص من ذلك الغذاء العظيم. فعلى قدر قوة ذلك الغذاء الإلهي في قلب العبد وجسمه توجد السعادة والحياة الطيبة، فلو ضعف ذلك الزاد تكدرت الحياة بقدر الضعف .. فتجد العبد تصيبه الهموم والمشاكل النفسية .. والناس درجات ودركات في ذلك، فمنهم من يصيبه الهم والغم ولكنه يتذكر لذلك؛ فإذا استخدم من الغذاء الروحي حظه ونصيبه رفع عنه ذلك الهم والغم، ولهذا أرشد النبي-صلى الله عليه وسلم- من أصابه الهم والغم والكرب أن يذكر الله، وهو بهذا يستخدم السلاح الإلهي لدفع الهم والغم- فعن عبد الله بن مسعود قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما أصاب عبداًهم ولا حزن فقال: اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك ناصيتي بيدك، ماض فيَّ حكمكعدل فيَّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمتهأحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي وغمي، إلا أذهب الله همه وغمه وأبدله مكانهفرحاً) قالوا: يا رسول الله أفلا نتعلمهن؟ قال: (بلى! ينبغي لمن سمعهن أنيتعلمهن).رواه أحمد وأبو حاتم وصححه الألباني.

سبحان الله .. إنه يذكِّر العبد بانحرافه عن الهدف العظيم في جزئية من حياته، فكان ذلك هو السبب في الهم والغم، فأراد أن يعيد الأمور إلى نصابها، وأن يعيد الغذاء إلى الجسد بالاعتراف بحقيقة الأمر والشأن، وهو عبودية الإنسان لله، ولجوئه إلى الذي لا يستغني عنه طرفة عين-سبحانه وتعالى-.

ومن الناس من يصيبه الهم والغم فلا يتذكر ولا يتفكر في سببه، فيعالجه باللجوء إلى من لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً! فيزداد الأمر سوءً، حيث يذهب العبد إلى أطباء الأمراض النفسية – مع أنه لا حرج في ذلك من حيث العموم – لكنه لو رجع إلى بارئه، ومن لا غنى له طرفة عين عن رحمته من أول الأمر لاستدرك ما فاته من خير اللجوء والأوبة والتوبة ..

ولا غرابة ولا عجب أن نرى كثيراً من أمم الأرض اليوم تصاب بالاكتئاب والقلق الدائم، والجحيم الذي لا يفارق أنفاسهم لحظة من الزمن .. فإنهم قد غلطوا غلطاً كبيراً، حيث انحرفوا عن هذا المبدأ العظيم، وهذا الأصل الكبير في الحياة، وهو حتمية الجمع بين الغذاءين ولا بد .. فإن من أعرض عن غذاء الروح تكدرت عليه حياته مهما ملك من الأموال، ومهما فرح بكثير من الأحوال، فإن الهم والقلق لا يفارق قلبه، ولا قوة إلا بالله .. ولهذا يلجأ كثير من هؤلاء المعرضين عن الله إلى (الإنتحار)، ومحاولة الخروج من هذا الإحباط والقلق الدائم بأي طريقة كانت! حتى لو وصل الحد به إلى قتل نفسه، وكم من حوادث مؤلمة نسمع عنها!! .. وهذا يدلنا على أن هؤلاء فقدوا عنصراً كبيراً وخطيراً في الحياة، وهو الفطرة التي فطروا عليها وهي حاجتهم إلى عبادة الله، وميلهم الفطري إليها، وعلى هذا الأساس فليعلم كل عبد رزقه الله الفقه والفهم في أمور دينه: أن كل ما يصيب الناس من مشاكل وقلق وهموم، سببها نقص في هذا الأصل إما نقص جزئي أو كلي حيث يصبح العبد كالبهيمة، فعليه أن يعالج هموم نفسه بالرجوع إلى الله، وتحقيق ما اختل من العبادة التي هو محتاج إليها كل حين .. ولهذا صدق الله العظيم القائل: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} (124) سورة طه, والقائل: {فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ} (125) سورة الأنعام, وهذا كناية عن ضيق النفس وتكدر الحياة ..

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير