وكان -صلى الله عليه وسلم- يقول في خطبته يوم الجمعة: ((أما بعد: فإن خير الحديث كتابالله وخير الهدى هدي محمد -صلى الله عليه وسلم- وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة)) خرجه مسلم في صحيحه.
وعن العرباض بن سارية قال: وعظنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- موعظة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقلنا: يا رسول الله! إن هذه لموعظة مودع، فماذا تعهد إلينا؟ قال: ((قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك، من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وعليكم بالطاعة وإن عبداً حبشياً، فإنما المؤمن كالجمل الأنف، حيثما قيد انقاد)) رواه ابن ماجه وصححه الألباني.
وقال الله عن أهمية اتباع الرسول في شرعه: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (31) سورة آل عمران.
فتبين بهذا أن العبادة لا تصح إلا بهذين الركنين العظيمين وهما الإخلاص والمتابعة للنبي -صلى الله عليه وسلم-.
وقد جاء عن السلف الصالح ما يبين اشتراط ذلك للعبادة في كلامهم، وأن العبد لا تقبل منه العبادة إلا بهذين الأساسين العظيمين، يقول الفضيل بن عياض في قوله الله: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًاُ} قال: أخلصه وأصوبه، قالوا: يا أبا علي، ما أخلصه وأصوبه؟! قال: إن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل، وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل، حتى يكون خالصاً صواباً، والخالص: أن يكون لله، والصواب: أن يكون على السنة).
كمال المخلوق في تحقيق العبودية لله:
كلما كان العبد قريباً من الله –تعالى- محباً لطاعته وعاملاً بها، كان إلى الكمال البشري أقرب، ولما كان الأنبياء -عليهم السلام- هم أقرب الناس من ربهم تعبداً وتألهاً وحباً وخوفاً ورجاءً، وصفهم الله بالعبودية في مواضع مختلفة، ولهذا قال الله عن المسيح: {إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ} (59) سورة الزخرف, ولما ادعت النصارى أنه ابن الله رد الله عليهم بأعلى درجات البشرية وهي القرب من الله والعبودية لله، وليس كما زعموا أنه ابن الله ..
وكما سبق فقد وصف عباده المقربين من الملائكة الكرام بالعبودية فقال: (بل عبادٌ مكرمون * لا يسبقونه بالقول) الآية. وقال: (لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون).
وبين أن الاستكبار عن العبودية والطاعة لله من أرذل صفات العبيد، وأن مقام العبادة من أشرف المقامات فقال –تعالى-: {لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً لِّلّهِ وَلاَ الْمَلآئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَن يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيهِ جَمِيعًا * فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزيدُهُم مِّن فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنكَفُواْ وَاسْتَكْبَرُواْ فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلُيمًا وَلاَ يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا} (172 - 173) سورة النساء. وقال: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} (60) سورة غافر.
وقد وصف الله رسوله -صلى الله عليه وسلم- بالعبودية في أعلى المقامات، فوصفه في مقام الإسراء، وهو مقامٌ عظيم، فقال: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (1) سورة الإسراء.
ووصفه بها في مقام الوحي: {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} (10) سورة النجم.
ووصفه بها في مقام الدعاء: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا} (19) سورة الجن.
فهذه من أعظم المقامات فاستحق نبينا -صلى الله عليه وسلم- أن يحوز الكمال البشري بالتقرب إلى الله تعالى.
¥