تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أبا هريرة يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (فذكره) فغضبت، فطارت

شقة منها في السماء و شقة في الأرض، و قالت: و الذي أنزل الفرقان على محمد ما

قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم قط، إنما قال: كان أهل الجاهلية يتطيرون

من ذلك ". و في رواية لأحمد: " و لكن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول:

كان أهل الجاهلية يقولون: الطيرة في المرأة و الدار و الدابة، ثم قرأت عائشة

(ما أصاب من مصيبة في الأرض و لا في أنفسكم إلا في كتاب) إلى آخر الآية ".

و أخرجها الحاكم (2/ 479) و قال: " صحيح الإسناد " و وافقه الذهبي.

و هو كما قالا، بل هو على شرط مسلم، فإن أبا حسان هذا قال الزركشي في

" الإجابة " (ص 128): " اسمه مسلم الأجرد، يروي عن ابن عباس و عائشة ".

قلت: و هو ثقة من رجال مسلم. و رواه ابن خزيمة أيضا كما في " الفتح " (6 /

46). و يشهد له ما أخرجه الطيالسي في " مسنده " (1537): حدثنا محمد بن

راشد عن مكحول قيل لعائشة: إن أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه

وسلم: الشؤم في ثلاث: في الدار و المرأة و الفرس. فقالت عائشة: لم يحفظ أبو

هريرة لأنه دخل و رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قاتل الله اليهود يقولون

: إن الشؤم في الدار و المرأة و الفرس، فسمع آخر الحديث، و لم يسمع أوله ".

و إسناده حسن لولا الانقطاع بين مكحول و عائشة، لكن لا بأس به في المتابعات و

الشواهد، إن كان الرجل الساقط من بينهما هو شخص ثالث غير العامريين المتقدمين

. هذا و لعل الخطأ الذي أنكرته السيدة عائشة هو من الراوي عن أبي هريرة، و ليس

أبا هريرة نفسه، فقد روى أحمد (2/ 289) من طريق أبي معشر عن محمد بن قيس

قال: " سئل أبو هريرة: سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم: الطيرة في

ثلاث في المسكن و الفرس و المرأة؟ قال: كنت إذن أقول على رسول الله صلى الله

عليه وسلم (ما لم يقل و لكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم) يقول: أصدق

الطيرة الفأل و العين حق ". و أبو معشر فيه ضعف.

و قد وجدت لحديث الترجمة شاهدا من حديث ابن عمر مرفوعا بلفظ: " الطيرة في

المرأة و الدار و الفرس ". أخرجه الطحاوي في " شرح المعاني " (2/ 381) و

الطبراني في " المعجم الكبير " (3/ 192 / 2) من طرق عن محمد بن جعفر عن عتبة

بن مسلم عن حمزة بن عبد الله بن عمر عن أبيه. و هذا إسناد صحيح على شرط مسلم،

لكنه شاذ بهذا الاختصار، فقد خالفه سليمان بن بلال: حدثني عتبة بن مسلم بلفظ

: " إن كان الشؤم في شيء ففي الفرس .. " الحديث. أخرجه مسلم (7/ 34)

و الطحاوي.

قلت: فزادا في أوله. " إن كان الشؤم في شيء ". و هي زيادة من ثقة فيجب

قبولها، لاسيما و قد جاءت من طريق أخرى عن ابن عمر عند البخاري و لها شواهد

كثيرة منها عن سهل بن سعد و جابر و قد خرجتها فيما تقدم (799). و منها عن

سعد بن أبي وقاص مرفوعا بلفظ: " لا طيرة، و إن كانت الطيرة في شيء ففي المرأة

.... ". أخرجه الطحاوي من طريق يحيى بن أبي كثير عن الحضرمي بن لاحق أن سعيد

بن المسيب حدثه قال: " سألت سعدا عن الطيرة. فانتهرني (زاد في رواية: فقال

: من حدثك؟ فكرهت أن أحدثه) و قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم "

فذكره. و إسناده جيد، فقد ذكر له شاهدا من رواية ابن أبي ليلى عن عطية عن أبي

سعيد به. و آخر من حديث أنس و سنده حسن. و نحوه حديث صخر أو حكيم بن معاوية

مرفوعا بلفظ: " لا شؤم، و قد يكون اليمن في ثلاثة: في المرأة، و الفرس، و

الدار ". و هو صحيح الإسناد كما بينته فيما سيأتي (1930).

و جملة القول أن الحديث اختلف الرواة في لفظه، فمنهم من رواه كما في الترجمة،

و منهم من زاد عليه في أوله ما يدل على أنه لا طيرة أو شؤم (و هما بمعنى واحد

كما قال العلماء)، و عليه الأكثرون، فروايتهم هي الراجحة، لأن معهم زيادة

علم، فيجب قبولها، و قد تأيد ذلك بحديث عائشة الذي فيه أن أهل الجاهلية هم

الذين كانوا يقولون ذلك، و قد قال الزركشي في " الإجابة " (ص 128):

" قال بعض الأئمة: و رواية عائشة في هذا أشبه بالصواب إن شاء الله تعالى (

يعنى من حديث أبي هريرة) لموافقته نهيه عليه الصلاة و السلام عن الطيرة نهيا

عاما، و كراهتها و ترغيبه في تركها بقوله: " يدخل الجنة سبعون ألفا بغير حساب

، و هم الذين لا يكتوون (الأصل لا يكنزون) و لا يسترقون، و لا يتطيرون، و

على ربهم يتوكلون ".

قلت: و قد أشار بقوله: " بعض الأئمة " إلى الإمام الطحاوي رحمه الله تعالى.

فقد ذهب إلى ترجيح حديث عائشة المذكور في " مشكل الآثار "، و نحوه في " شرح

المعاني " و به ختم بحثه في هذا الموضوع، و قال في حديث سعد و ما في معناه:

" ففي هذا الحديث ما يدل على غير ما دل عليه ما قبله من الحديث، (يعني حديث

ابن عمر برواية عتبة بن مسلم و ما في معناه عن ابن عمر)، و ذلك أن سعدا أنتهر

سعيدا حين ذكر له الطيرة، و أخبره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا

طيرة، ثم قال: إن تكن الطيرة في شيء ففي المرأة و الفرس و الدار، فلم يخبر

أنها فيهن، و إنما قال: إن تكن في شيء ففيهن، أي: لو كانت تكون في شيء

لكانت في هؤلاء، فإذ لم تكن في هؤلاء الثلاث فليست في شيء ".

أسال الله ان ينفع بها الجميع

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير