تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وروى البخاري ومسلم أيضاً عن عبد الله قال: لعن الله الواشمات والموتشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله، فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها أم يعقوب، فجاءت فقالت: إنه بلغني أنك لعنت كيت وكيت. فقال: ومالي لا ألعن من لعن رسول الله r، ومن هو في كتاب الله فقالت: لقد قرأت ما بين اللوحين، فما وجدت فيه ما تقول. قال: لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه، أما قرأت {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}. قالت: بلى. قال: فإنه قد نهى عنه، قالت: فإني أرى أهلك يفعلونه، قال: فاذهبي، فانظري فذهبت فنظرت، فلم ترى من حاجتها شيئاً. فقال: لو كانت كذلك ما جامعتنا.

فانظر إلى هذه المرأة حين بلغها أن ابن مسعود أنكر أمراً لم تعرفه، أتت إليه منكرة، وحين أخبرها، قال لها: لو كان أهلي يفعلون المنكر ما جامعتنا.

وروى مسلم في صحيحه من طريق ابن شهاب أخبرني عروة بن الزبير، أن عبد الله بن الزبير قام بمكة فقال إن ناساً أعمى الله قلوبهم كما أعمى أبصارهم يفتون بالمتعة يعرض برجل فناداه، فقال: إنك لجلف جاف، فلعمري لقد كانت المتعة تفعل على عهد إمام المتقين -يريد رسول الله r - فقال له ابن الزبير: فجرب بنفسك فوالله لئن فعلتها لأرجمنك بأحجارك.

وفي صحيح البخاري قال: لما أصيب عمر دخل صهيب يبكي يقول: وا أخاه وا صاحباه، فقال عمر رضي الله عنه: يا صهيب أتبكي علي وقد قال رسول الله r إن الميت يعذب ببعض بكاء أهله عليه؟ قال ابن عباس رضي الله عنهما: فلما مات عمر رضي الله عنه ذكرت ذلك لعائشة رضي الله عنها فقالت: رحم الله عمر والله ما حدث رسول الله r إن الله ليعذب المؤمن ببكاء أهله عليه، ولكن رسول الله r قال: إن الله ليزيد الكافر عذابا ببكاء أهله عليه، وقالت: حسبكم القرآن ولا تزر وازرة وزر أخرى.

ولست بصدد بيان الجمع بين اعتراض عائشة وبين ما ورد من السنة، وإنما الشاهد منه أن الصحابة إذا رأوا ما يعتقدون أنه خلاف السنة أو خلاف القرآن اعترضوا عليه.

بل ربما امتحن بعضهم بعضاً فيما يشكون فيه:

فقد روى البخاري في صحيحه عن عروة قال: حج علينا عبد الله بن عمرو فسمعته يقول: سمعت النبي r يقول إن الله لا ينزع العلم بعد أن أعطاكموه انتزاعا ولكن ينتزعه منهم مع قبض العلماء بعلمهم فيبقى ناس جهال يستفتون فيفتون برأيهم فيضلون ويضلون فحدثت به عائشة زوج النبي r ثم إن عبد الله بن عمرو حج بعد فقالت: يا ابن أختي انطلق إلى عبد الله فاستثبت لي منه الذي حدثتني عنه فجئته فسألته فحدثني به كنحو ما حدثني فأتيت عائشة فأخبرتها فعجبت فقالت والله لقد حفظ عبد الله بن عمرو.

ولعل ما حمل عائشة على التثبت أن عبد الله وقعة في يده صحيفة إسرائيلية، وكان الرسول قد أذن أن يحدث عن بني إسرائيل، ولا حرج. فكان يُخْشَى أن يكون غلط فدخل عليه منها.

ولو نقلت إنكار الصحابة بعضهم على بعض فيما يعتقدون أنه خالف السنة لجاء كتيباً لطيفاً في خلاف الصحابة في ما بينهم.

فكيف يظن بالصحابة أنهم لم ينكروا على ابن عمر أخذه ما زاد على القبضة مع كونه مخالفاً للسنة؟

فلما لم نقف على إنكار الصحابة على ابن عمر لم يبق إلا التسليم بأمرين لا ثالث لهما:

الأول: بطلان دعوى أن الصحابة قد أنكروا على ابن عمر فعله، وسكوتهم عليه يدل على موافقة له على فعله، أو أقل الأحوال أن يكون الخلاف في المسألة سائغاً لا يجوز إنكاره اقتداء بالصحابة، فلا يجوز إنكاره من غيرهم امتثالاً لفعلهم.

الثاني: أن فعل ابن عمر لم يخالف السنة، وإلا لما سكتوا عليه.

فإن قيل: إن ابن عمر له أفعال لا يتابع عليه، فقد كان يدخل الماء في عينيه في الوضوء، وكان يتتبع آثار النبي صلى الله عليه وسلم التي لم يفعلها ليتابع عليها، وإنما فعلها اتفاقاً مثل وضوءه في موضع معين، وصبه الماء وصلاته في بعض المواضع التي تتفق له في سفره.

فالجواب:

إن هذا دليل على احتياط ابن عمر في اتباع المصطفى r، وليس فيه ما يدل على تساهله في السنة.

ومن ذلك ما رواه البخاري في صحيحه عن الزبير بن عربي قال: سأل رجل ابن عمر رضي الله عنهما عن استلام الحجر فقال: رأيت رسول الله r يستلمه ويقبله. قال: قلت: أرأيت إن زحمت، أرأيت إن غلبت؟ قال: اجعل أرأيت باليمن رأيت رسول الله r يستلمه ويقبله.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير