وكما نحرص على تعليمه القرآن يجب أن تغرس في الطفل حب السنة ونحثه على تطبيقها وحفظ اليسير من الحديث. فالقرآن والسنة من أهم الأسس التي تُكَوّن عقلية الطفل وهما مصدر إشعاع العلوم، ينيران العقل ويقوياه وإليكِ نموذجاً في حفظ الطفل للحديث واعتنائهم به. قال البخاري: ((ألهمت حفظ الحديث وأنا في الكُتّاب فيل له: كم أتى عليك إذ ذاك فقال: عشر سنين أو أقل ثم خرجت من الكتاب فجعلت أختلف إلى الدِّاخلي وغيره فقال يوماً: فيما كان يقرأ الناس سفيان عن أبي الزبير عن إبراهيم فقلت إن أبا الزبير لم يرو عن إبراهيم فانتهرني فقلت له: ارجع إلى الأصل إن كان عندك، فدخل فنظر فيه ثم رجع فقال: كيف هو يا غلام؟
فقلت: هو الزبير وهو ابن عدي عن إبراهيم فأخذ القلم وأصلح كتابه)).
الوسيلة الرابعة
: العمل على الاكتشاف المبكر لمواهب الطفل وتوجيهها.
إن علامات النجابة ومخايل العبقرة تظهر في الصغر حتى لا يكاد يشك ذو فراسة وإيمان صادق في صيرورة صاحبها إلى ذرا العلا والتربع على قمة المجد في العلم.
ولذلك ينبغي محاولة اكتشاف المجال الذي يتفوق فيه الطفل ويحبه وتوجيهه إليه، فبعد حفظ القرآن الكريم والسنة المطهرة واليسير من العلوم النافعة، نعمل عل تخصيص الطفل في المجال الذي يتفوق فيه.
ولقد سار السلف على هذه القاعدة ومن ذلك أن الإمام البخاري في أول أمره يحاول تعلم الفقه والتبحر فيه فقال له محمد بن الحسن: ((اذهب واشتغل بعلم الحديث)) عندما رآه مناسباً لقدراته وأليق به وأقرب إليه وقد أطاعه البخاري ومن ثم صار على رأس المحدثين بل وإمامهم)).
وروي أن يونس بن حبيب كان يتردد على الخليل بن أحمد الفراهيدي ليتعلم منه العروض والشعر فصعب ذلك عليه فقال له الخليل يوماً: من أي بحر قول الشاعر:
إذا لم تستطع شيئاً فَدَعْهُ ... وجاوزه إلى ما تستطيع
ولما عجز يونس بن حبيت عن الإجابة طالبه الخليل بن أحمد بتنفيذ الشطر الثاني من بيت الشعر محل السؤال.
وهكذا فعلى الأم المسلمة مراعاة ميول طفلها وتوجيهه إلى أنسب الأمور.
الوسيلة الخامسة
: اختيار المعلم الصالح والمَدْرَسَةِ الصالحة
، وعلى الأم المسلمة أن تختار المعلم الصالح القادر على صياغة طفلها ومساعدتها في صناعته كعالم، بحيث يكون في هذا المعلم كل شروط القدرة. وهذا غير مُيسر في هذه الأيام ولذلك علينا بأن تختار المَدْرَسَة الصالحة التي تغرس في الطفل حب الإسلام وحب القرآن والسنة.
الوسيلة السادسة
: إتقان الطفل اللغة العربية.
إن اللغة العربية لغة القرآن هي مفتاح كل العلوم، وكلما قوي الطفل في اللغة كانت قوته سبباً في الخوض في أي علم من العلوم التي يرغب في تعلمه وأحب أن يكسبه. واللغة العربية حفظها السلف الصالح وكانوا يربون أولادهم في البادية حتى لا تضطرب لغتهم، وقد اهتم النبي صلى الله عليه وسلم بتعليم النشئ هذه اللغة، ومما جاء في ذلك عن ابن عباس
t قال: كان ناس من الأسارى يوم بدر ليس لهم فداء فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فداءهم أن يعلموا أولاد الأنصار الكتابة)).
الوسيلة السابعة
: ربط الطفل بالمسجد ودروس العلم فيه.
المسجد هو الصرح الذي يبني الأجيال تلو الأجيال من العلماء، ولقد كان وما زال هو المصدر لأجيال باعوا أنفسهم لله وساروا على منهجه يدافعون عنه وينشرون علومه. لهذا عني أطفال الصحابة بالصلاة في المسجد، وطالب النبي صلى الله عليه وسلم أئمة المساجد أن يخففوا من الصلاة رأفة بالأطفال والأمر الذي يدل على جواز صلاة الأطفال وأخذهم للمسجد وأهمية ربطهم به لكي يشبوا مرتبطين ببيوت الله ولكي يتلقوا في جنباته العلوم النافعة. وما زال الجامع الأزهر حافل بحلقات العلم التي طالما تخرج منها علماء نابهين قادوا الأمة إلى التقدم وإلى المجد. ويقول الشيخ أنور الكشميري: ((قلنا إن المسجد الذي خرج أطفال الصحابة والسلف الصالح قادر أ، يخرج أمثالهم إذا وجه الآباء والأمهات أطفالهم نحو المسجد ترغيباً لا تنفيراً وتحبيباً لا تقبيحاً وتشجيعاً لا تخذيلاً.
ولذلك يجب أن ندفع أطفالنا إلى المساجد، وكذلك يجب على الكبار أن ينصحوا الأطفال في المسجد نصحاً لطيفاً برفق ولين حتى لا ينفر الأطفال من المساجد وحضور الدروس العلمية فيه وصدق من قال: [مجزوء الكامل]
¥