تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

منه دلالة، وعليه فإن المفهوم لا يقوى على معارضة العموم من حيث الحجّية ولا من حيث الترجيح.

ومن جهة أخرى فإنّ من شرط العمل بمفهوم المخالفة –عند القائلين به- أن لا يقع ذكره جوابا لسؤال، فالتخصيص بالذكر في هذه الحالة لا يدل على اختصاصه بالحكم دون المسكوت عنه (14)، غير أنّ الذي يُعكّر عليه عدم ذكر المقدار في السؤال في حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- وعلى من احتج بالتفريق بين قليل الماء وكثيره فلا يقال بأنّ خبر الاستيقاظ والنهي عن البول في الماء الدائم وخبر الولوغ أدلة تقوِّي مذهب التفريق، لأنّها -بغض النظر عن وقوعها في معارضة عموم حديث أبي سعيد وحديث بول الأعرابي- فلا تدل على المطلوب، وليست واردة لبيان حكم نجاسة الماء بل إنّ علتها لم تدرك فورود الأمر باجتنابها ثبت تعبُّدا لا لأجل النجاسة، وإن سلّمنا بالنجاسة فغاية ما يدل النهي في هذه الأحاديث على الكراهة، ولا تخرج عن كونها مطهِّرة، تقييدا بما تقدم لأن التعبُّد إنّما هو بالظنون الواقعة على الوجه المطابق للشرع، قال ابن رشد: "وأحسن طريقة في الجمع بين الأحاديث، هو أن يحمل حديث أبي هريرة وما في معناه على الكراهة، وحديث أبي سعيد وأنس [أي حديث بئر بُضاعة] على الجواز، لأنّ هذا التأويل يُبقي مفهوم الأحاديث على ظاهرها" (15) والعمل بعموم حديث أبي سعيد -رضي الله عنه- مذهب مالك وأحمد في إحدى الروايتين عنه وهو مروي عن جمع من الصحابة.

فالحاصل أنّ الماء يبقى طاهرا ومطهِّرا، ولا يخرجه عن الوصفين إلا ما غيّر ريحه أو لونه أو طعمه من النجاسات، وهو أظهر الأقوال وأرجحها.

والله اعلم، وآخر دعوانا أن الحمد الله ربّ العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه والتابعين.


1 - أخرجه الشافعي (1/ 20) وأحمد (3/ 15، 86) وأبو داود (1/ 55) كتاب الطهارة باب ما جاء في بئر بضاعة، والترمذي (1/ 95رقم96) أبواب الطهارة باب ما جاء أن الماء لا ينجسه شيء، والنسائي (1/ 174) كتاب المياه باب ذكر بئر بضاعة، والبيهقي (1/ 4، 5)، والبغوي (1/ 60) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وهو صحيح بطرقه وشواهده، انظر التلخيص الحبير لابن حجر (1/ 13، 14)، والمجموع للنووي (1/ 82)، وإرواء الغليل للألباني (1/ 45) رقم (14).

2 - أخرجه الشافعي في مسنده 7، والدارمي في سننه (1/ 187)، وأبو داود (1/ 51) كتاب الطهارة باب ما يُنَجِس الماء (رقم:63)، وابن ماجه كتاب الطهارة باب مقدار الماء الذي لا ينجس، والترمذي (1/ 97) أبواب الطهارة باب ما جاء أنّ الماء لا ينجسه شيء، والنسائي (1/ 175) كتاب المياه باب التوقيت في الماء، وابن خزيمة في صحيحه (1/ 49)، والدارقطني في سننه (1/ 14) والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 15)، عن ابن عمر رضي الله عنهما عن أبيه قال:"سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه وسلم عن الماء وما ينوبه من الدواب والسباع فقال صلى الله عليه وسلم: "إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث".

3 - نقل النووي في المجموع (1/ 110) والحافظ عنه في التلخيص (1/ 15) إتفاق المحدثين على تضعيف الزيادة "إلا ما غلب على ريحه أو لونه أو طعمه "، ولكن وقع الإجماع على مدلولها، انظر: الإجماع لابن المنذر: (19)، البدر المنير لابن الملقّن: (1/ 59)، نصب الراية للزيلعي: (1/ 94)، التلخيص الحبير لابن حجر (1/ 14 - 16)، قال في البدر المنير (1/ 59): "فتلخّص أنّ الاستثناء المذكور ضعيف فتعيّن الاحتجاج بالإجماع كما قال الشافعي والبيهقي وغيرهما".

4 - إرشاد الفحول للشوكاني: (160) شرح الكوكب المنير للفتوحي: (3/ 369)، مذكّرة الشنقيطي.

5 - قال الفُتوحي:"وإنّما سُمِّيّ بذلك لأنّ دلالته من جنس دلالات الخطاب، أو لأنّ الخطاب دالّ عليه، أو لمخالفته منظوم الخطاب" (شرح الكوكب المنير: 3/ 489).

6 - نيل الأوطار (1/ 57)، السيل الجرّار للشوكاني (1/ 55).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير