فأضر على العبد أن يعمل عملاً أو يقول قولاً لا يريد به وجه الله جميلٌ ظاهره، فبيحٌ باطنه، يُسِّر غيّر ما يعلن ويُظهرُ خلاف ما يُبطن. يسُبّح ويهلل ويقرأ القرآن ويخطب ويعلم ويدعو إلى الله بنفسه، وقلبه غافل ذاهل وبغيره مشغول حسبه من الخير ثناء الناس عليه واستمالة قلوب الجاهلين إليه إذا قرأ جوّد وإذا وعظ بكى وإذا خطب أو درس لم يلحن وجاء بالعجب العجاب فلو أخلص لله لكان المصلح الحكيم والمرشد العظيم ولكن المرء يقول بفيه ما ليس بقلبه ويرائي الناس بعمله، فكل عمل فيه رياء معدود من السيئات وإن كان صالحاً في ظاهره وما يلبث صاحُبه أن يُظهر سره ويفضح أمره فيحيق به مكره. فعلى الإخلاص وعدمه يترتب حسن الخاتمة وسوءها.
فجاء في الحديث في الصحيحين: (إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها)
وكان مع المسلمين في غزوة أحد رجلٌ يقاتل حتى أعجب به الناس فقال النبي ? إنه من أهل النار.
فاستغرب الناس ذلك وقام أحدهم ينظر أعماله وما يصنع يؤمئذ حتى إذا أثخنته الجراح أخذ سيفه فانتحر به وقتل نفسه. وقيل في ذلك.
فقال إنه كان يقاتل حمية وعصبية وأبى الله إلا أن يموت على نيته.
واعلموا يا عباد الله أن الرياء فيه تفصيل:
فإذا كان الحامل للعبد على العمل قصد مراءآة الناس واستمر هذا القصد الفاسد فعمله حابط وهو شرك أصغر و يخشى أن يتذرع به إلى الشرك الأكبر.
وإن كان الحامل على العمل إرادة وجه الله مع إرادة الناس ومراء آتهم ولم يقلع عن الرياء بعمله فظاهر النصوص أيضاً بطلان هذا العمل وإن كان الحامل للعبد على العمل وجه الله وحده ولكن عرض له الرياء في أثناء عمله فإن دفعه وأخلص لله لم يضره وإن ساكنه واطمأن اليه ونقص العمل وحصل لصاحبه من ضعف الإيمان والإخلاص بحسب ما قام به من الرياء.
والرياء يا عباد الله آفة عظيمة وتحتاج إلى علاجٍ شديد وتمرين النفس على الإخلاص ومجاهدتها في مدافعة خواطر الرياء والاستعانة بالله على دفعها لعل الله أن يُخلص إيمان العبد ويحقق توحيده.
ولنعلم يا عباد الله أن الرياء له أسباب وبواعث توقع فيه وتؤدي إليه نذكر بعضاً معها لنعرفها ونجتنبا ونعالجها حتى لا نقع في الرياء فمنها:
النشأة الأولى: كمن نشأ في بيت ويرى أهله المفاخرة والرياء والسمعة فما يكون منه إلا التقليد والمحاكاة وبمرور الزمن تتأصل هذه الآفة في نفسه.
وكذلك الصحبة السيئة التي لا هم لها إلاّ الرياء والسمعة وعدم المعرفة الحقيقية بالله هو السبب الباعث على الرياء والسمعة.
ومن أسباب الرياء الرغبة في الصدارة والمنصب وكذلك الطمع فيما في أيدي الناس وحب المحمدة والثناء من الناس والخوف من قالة الناس ولا سيما الأقران.
فهذه يا عباد الله هي أهم الأسباب التي توقع في الرياء فا عملوا رحمكم الله جاهدين على معالجتها والابتعاد عنها حتى تصح منكم أعمالكم واحذروا منها لكي لا تقعوا في الرياء و تستحقون آثاره التي منها الحرمان من الهداية والتوفيق والخاتمة السيئة ونزع الهيبة من قلوب الناس والاضطراب والقلق النفسي والإعراض من الناس وعدم التأثر بما تقول أو تفعل والفضيحة في الدنيا وعلى رؤوس الأشهاد يوم القيامة وبطلان العمل والعذاب الشديد في الآخرة كما سمعنا في حديث أول من تسعر بهم النار.
فبعد أن عرفنا يا عباد الله خطر الرياء وآثاره السيئة ومعرفة أسبابه فتعالوا معي لمعرفة طريق العلاج والتخلص منه.
فتذكّرْ يا عبد الله عواقب الرياء وانسلخ من صحبة المعروفين بالرياء والسمعة وانخرط في أحضان المخلصين العاملين، وتعرف على الله حق المعرفة التي تقدر الله حق قدره وجاهد نفسك وهذبها من الغرائز التي تملى عليك الرياء والسمعة وأحذر حب التصدي والطمع فيما في أيدي الناس.
والتزم بآداب الإسلام في المعاملة فلا غلّو في الاحترام ولا تقصير وإنما هو الأمر الوسط وأكثر من معرفة أخبار المرآئيين وتعرف على عواقبهم وأدم النظر والسماع للنصوص المرغبة في الإخلاص والمحذرة من الرياء وحاسب نفسك أولاً بأول للوقوف على عيوبها ثم التخلص من هذه العيوب والجأ إلى الله تعالى أن يخلصك من الرياء والسمعة، وأن يهبك الإخلاص واستعن به سبحانه وتذكر يا عبد الله أن كل شيء يجري في هذا الكون كله بقضاء الله وقدره ولو اجتمعت الأمة على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، فعلام الخوف إذن ولماذا الرياء إذن اسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياكم الإخلاص في القول والعمل فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال سمعت رسول الله? (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه) رواه البخاري ومسلم.
أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم؛؛؛