تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[الرجوع إلى العلماء في النوازل]

ـ[أبو علي الذهيبي]ــــــــ[27 - 12 - 07, 09:55 ص]ـ

[الرجوع إلى العلماء في النوازل]

لفضيلة الشيخ

عبد الرزاق بن عبد المحسن العباد

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربِّ العالمين , والصلاة والسلام على إمام المرسلين , نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين , أما بعد:

فإنه لا يخفى على كلَّ مسلم مكانةُ أهلِ العلم وأئمةِ الدين ورفعةُ شأنهم وعلوُّ منزلتهم وسمو قدرهم, فهم في الخير قادةٌ وأئمة تقتصُّ آثارهم ويقتدى بأفعالهم, وينتهى إلى رأيهم , فهم مصابيح الدجى ومنارات خير وأئمة هدى , بلغ بهم علمهم منازل الأخيار ودرجات المتقين الأبرار , قد سمت بالعلم منزلتهم وعلت مكانتهم وعظم شأنهم وقدرهم. كما قالالله تعالى: ((قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ)) (الزمر:9) , وقال تعالى: ((يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُواالْعِلْمَ دَرَجَاتٍ)) (المجادلة:11).

ومن فضلهم أن الملائكة تضع أجنحتها خُضْعَاناً لقولهم , ويستغفر لهم كلُّ رطب ويابس حتى الحيتانُ في الماء. وهم ورثة الأنبياء فإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورثوا العلم , والوارث قائم مقام المورَّث فله حكمه فيما قام مقامه فيه.

ففي حديث أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سلك الله به طريقاً إلى الجنة , وإن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع , وإن العالِمَ ليستغفر له من في السماوات والأرض حتى الحيتانُ في الماء , وفضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب. وإن العلماء ورثة الأنبياء , وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولادرهماً , وإنما ورثوا العلم , فمن أخذه أخذ بحظ وافر) (1) فالعلماء ورثوا ماجاء به الأنبياء من العلم , فهم خلفوا الأنبياء في أممهم بالدعوة إلى الله وإلى طاعته والنهي عن المعاصي والذود عن دين الله , وهم في مقام الرسل بين الله وبين خلقه بالنصح والبيان والدلالة والإرشاد , وإقامة الحجة وإزالة المعذرة وإبانة السبيل. قال محمد بن المنكدر: (إن العالم بين الله وبين خلقه , فلينظر كيف يدخل عليهم). وقال سفيان بن عيينة: (أعظمُ الناس منزلةً من كان بين الله وبين خلقه: الأنبياءُ والعلماء)

وقال سهل بن عبد الله: (من أراد أن ينظر إلى مجالس الأنبياء فلينظر إلى مجالس العلماء , يجيء الرجل فيقول: طلقت امرأته. ويجيء آخر فيقول: ما تقول في رجل حلف على امرأته بكذا وكذا؟ فيقول: يَحْنَثُ بهذا القول , وليس هذا إلا لنبي أو عالم فاعرفوا لهم ذلك). وقال ميمون بن مهران: (إن مثل العالم في البلد كمثل عين عذبة في البلد).

وإذا كان أهل العلم بهذه المنزلة العلية والدرجة الرفيعة , فإن الواجب على من سواهم أن يحفظ لهم قدرهم ويعرف لهممكانتهم وينزلهم منازلهم.

عن عُبادَةَ بنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه: أنَّرسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ليسَ من أمَّتي من لَمْ يُجِلَّ كبيرَنَا , ويرحَمْ صغيرَنَا , ويعرِفْ لِعَالِمَنَا) (2).

وإنمن حق العلماء ألا يفتاتَ عليهم فيما هم أهله والجديرون به , ألا وهو بيان دين الله وتقرير الأحكام ونحو ذلك بالتقدم عليهم أو التقليل من شأنهم أو التعسف في تغليطهم أو صرف الناس عنهم , أو غير ذلك مما هو سبيل الجاهلين ممن لا يعرفون قدر العلماء ومكانتهم. ومن المعلوم لدى كل الناس أن التعويل في كل فَنٍّ لا يكون إلا على أهل الاختصاص فيه , فلا يرجع في الطَّبَّ إلى المهندسين , ولا في الهندسة إلى الأطباء , ولا يرجع في أي فن إلا إلى أهل الاختصاص فيه , فكيف الشأن بعلم الشريعة ومعرفة الأحكام والفقه في النوازل , كيف يرجع فيها إلى من ليس معروفاً بالتضلع في هذا العلم والرسوخ فيه , ولا يرجع إلى العلماء الجهابذة والأئمة الراسخين أهل الفقه والدراية والفهم والاستنباط.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير