وأما قول النصارى أن المسيح من بني إسرائيل ومحمدا ليس منهم، فصحيح ولكن البشارة تقول إن النبي الآتي سيكون من إخوة بني إسرائيل لا من أنفسهم، بمعنى أنه سيكون من غير بني إسرائيل، ومن المعلوم أن العرب العاربة هم أبناء عمومة مع بني إسرائيل، فإن إبراهيم رزق بإسماعيل أبو العرب العاربة، ورزق كذلك بإسحاق الذي ولد له يعقوب أبو الإسرائيليين، فقول الرب لموسى: " أقيم لهم نبياً من وسط إخوتهم" يدل على أنه ليس من بني إسرائيل، إذ لو أراد ذلك لقال من أنفسهم لا من إخوتهم، وهناك شواهد كثيرة من التوراة تدل على أن لفظ الإخوة يطلق على أبناء العم، فمن ذلك قول موسى لبني إسرائيل: " أنتم مارون بتخم إخوتكم بنو عيسو " (التثنية 2/ 4)، وعيسو الابن البكر لإسحاق - عليه السلام – فأطلق على أبنائه إخوتهم. فإن قيل لم لا يراد بإخوة بني إسرائيل في بشارة الرب لموسى بني عيسو وهو الروم، فالجواب أن الروم لم يظهر فيهم نبي في مقام عيسى - عليه السلام - فضلاً أن يكون في مقام موسى ومحمد - صلوات الله وسلامه عليهم – وهم مع ذلك لم يدعوا هذا الفضل لهم.
وأما قول النصارى بأن المراد من قول الرب لموسى: " وأجعل كلامي في فمه" الوحي الذي أوحاه الله لعيسى – عليه السلام – فيقال: وكذلك يمكن أن يقال ذلك في محمد - عليه الصلاة والسلام - فإن الله وصفه بأنه {وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى} (النجم:3 - 4) وهو تعبير يشابه إلى حد كبير بشارة موسى – عليه السلام -.
وهذه المقاربة والمقارنة بين محمد والمسيح - عليهما السلام - إنما تصح بناء على اعتقاد المسلمين في المسيح - عليه السلام - بأنه عبدالله ورسوله، أما على اعتقاد النصارى بألوهية المسيح وربوبيته، فالمقارنة أبعد ما تكون، بل لا تصح البتة، فالبشارة الموسوية تقول: "يقيم لهم نبياً "، والنصارى يقولون: إن المسيح إله حق من إله حق، فهل يتخلى النصارى عن وصف المسيح بالألوهية حتى تنطبق عليه نبوة موسى؟!!.
ـ[متفائلة]ــــــــ[27 - 12 - 07, 11:31 م]ـ
المثال الثاني: البشارة بنبي الإسلام في الإنجيل
أما النصوص التي يستدل بها العلماء على وجود البشارة بنبي الإسلام في الإنجيل فهي ما ورد في إنجيل يوحنا (14:16 - 17) على لسان المسيح - عليه السلام – أنه قال: " أنا أطلب من الآب فيعطيكم معزيًا آخر، ليمكث معكم إلى الأبد، روح الحق الذي لا يستطيع العالم أن يقبله، لأنه لا يراه ولا يعرفه، وأما أنتم فتعرفونه، لأنه ماكث معكم ويكون فيكم ".
وجاء في إنجيل يوحنا (14: 25 - 26): "بهذا كلمتكم وأنا عندكم وأما المعزي الروح القدس الذي سيرسله الأب باسمي فهو يعلمكم كل شيء ويذكركم بكل ما قلته لكم".
وفي نفس الإنجيل أيضاً (15: 26 - 27): "ومتى جاء المعزي الذي سأرسله أنا إليكم من الآب، روح الحق الذي من عند الآب ينبثق، فهو يشهد لي، وتشهدون أنتم أيضاً لأنكم معي من الابتداء".
وفيه كذلك (16: 7 - 11): " لكني أقول لكم الحق، إنه خير لكم أن أنطلق لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزي، ولكن إن ذهبت أرسله إليكم، ومتى جاء ذاك يبكت العالم على خطية، وعلى بر، وعلى دينونة، أما على خطية؛ فلأنهم لا يؤمنون بي، وأما على بر فلأني ذاهب إلى أبي ولا ترونني أيضاً، وأما على دينونة فلأن رئيس هذا العالم قد دِين، إن لي أمورًا كثيرة أيضاً لأقول لكم، ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن، وأما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق، لأنه لا يتكلم من نفسه، بل كل ما يسمع يتكلم به، ويخبركم بأمور آتية، ذاك يمجدني لأنه يأخذ مما لي ويخبركم".
فهذه النصوص الكثيرة من إنجيل يوحنا توضح البشارة التي حملها المسيح عليه السلام بمقدم ومبعث نبي جديد، لا يتكلم من عند نفسه، بل يتكلم بما يوحى إليه، غير أن النصارى حملت هذه البشارات على مقدم نبي جديد، بل على "الروح القدس" واعتمدت في ذلك على أمور:
الأمر الأول: إنهم قالوا: إن الكلمة اليونانية محل البحث هي " IIAPAKAHTOE" و ليست "" IIEPIKAHTOE، وبالحروف الإفرنجية " PARACLETOS" ( باراكليتس) وليست " PERICLETOS" ( بركليتوس) فالأولى معناها المُعزى، وهي التي نقلناه في النصوص السابقة، والثانية المشهور والمحمود.
¥