وقد أخرج الإمامُ البخاريُّ عن عبد الله بن مسعود قال: "لعن الله الواشماتِ والمستوشمات، والمتنمصات، والمتفلجات للحسن، المغيرات خلق الله"، فبلغ ذلك امرأةً من بني أسد يقال لها: أم يعقوب، فجاءت فقالت: إنه بلغني أنك لعنت كيت وكيت! فقال: وما لي لا ألعن من لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ومن هو في كتاب الله؟ فقالت: لقد قرأتُ ما بين اللوحين فما وجدت فيه ما تقول، قال: لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه؛ أما قرأت: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}؟ قالت: بلى، قال: فإنه قد نهى عنه [5] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?CategoryID=53&ArticleID=1763#_ftn5).
وفي هذا الحديث دليل واضح على أنَّ الصحابة -رضوان الله عليهم- استيقنوا بأنَّ السنَّة شارحة للقرآن ومبيِّنة له، استنباطاً منه وأخذاً بقوله -تعالى-: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}.
وأخرج الإمام أحمد وأبو داود بسند صحيح عن المقدام بن معدي كرب مرفوعا: "ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن؛ فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه! ألا وإن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله" [6] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?CategoryID=53&ArticleID=1763#_ftn6).
يقول الإمام الشافعي: "فذكر الكتاب وهو القرآن، وذكر الحكمة، فسمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول: الحكمة: سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" [7] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?CategoryID=53&ArticleID=1763#_ftn7).
فكل هذه الآيات والأحاديث والآثار ترد على (جمال البنا) الذي لا يرى أنَّ أحاديث السنَّة الثابتة عن رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- حجَّة يلزم الأخذ بها وتصديقها، إلاَّ الأحاديث التي جاءت بما جاء به كتاب الله، ولم تضف شيئاً جديداً! وهذا يعني أنَّ كثيراً من العبادات التي نتعبَّد بها الله -جلاَّ وعلا- ستكون غامضة؛ لأنَّ تفصيلاتها وتفريعاتها موجودة في كتب السنَّة، لأنَّها شارحة وموضحة لما في كتاب الله تعالى.
(4)
دعوته لنسف الثوابت
يدعو (جمال البنَّا) لنسف الثوابت إذ يقول: (أهم ما يُفترَض أن تتجِهَ إليه الحريةُ هو هذه الثوابت بالذات التي وإن كانت تقوم بالحفاظ والاستقرار للمجتمع وتمسكه من الانزلاق أو التحلل، إلا أن عدم مناقشتها يجعلها تتجمد، بل وتتوثن وتأخذ قداسة الوثن المعبود؛ هذا كله بفرض أن الثوابت هي دائماً صالحة ولازمة؛ ولكنها لا تكون كذلك دائماً) [8] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?CategoryID=53&ArticleID=1763#_ftn8)
وتعقيباً على ما قال، فإني أضع بين يدي (جمال البنا) سؤالاً ينبغي أن يجيب عنه، فأقول له: ما الثوابت التي لا تريدنا أن نتعبَّد الله بها؟
وهل يمكن أن تكتب كتاباً يفصِّل هذه الثوابت التي جعلتك تنتفض حينما رأيتها ثابتةً على قلبك فأردت نسفها بحجَّة التجديد والنهضة! حتَّى نعرف رأيك كاملاً ولا يكون منها ما هو مختبئ في الجحور وإن كنت قد أبديت بعضاً منها!
نعم! جميل قولك بأنَّ (الثوابت تقوم بالحفاظ والاستقرار للمجتمع وتمسكه من الانزلاق أو التحلل)، ولكن ... هل يعني ذلك حين تقوم بنقض هذه الثوابت أنَّنا سنعيش فيما بعد في قلق وعدم أمن، وفساد وإفساد، وتحلل خلقي، وانزلاق قيمي؟ وكلُّ هذا أتى من تحت قلمك الذي دعا لكسر الثوابت، فيكون المجتمع منحلاً بإرادتك؟! وهو الذي سيكون!
ما أنت بالحكم التُرْضى حكومتُه ولا الأصيل ولا ذي الرأي والجدل
(5)
نفيه أن يكون الإسلام ديناً ودولة
يرى (جمال البنَّا) نقض مفهوم (الإسلام دين ودولة) ويرى أنَّ الصحيح (الإسلام دين وأمة)، وليس ديناً ودولة، حتى بلغ به الأمرُ أن يصدر كتاباً بهذا العنوان كان قد نشر معظمه بجريدة القاهرة، وفيه دعا للفصل بين الدين والسلطة!
¥