وقال ابن حزم: وقد روينا مثل قولنا عن بعض السلف، كما روينا من طريق ابن المبارك عن سفيان الثوري عن عبد الملك بن أبجر عن الشعبى أنه قال في الجراحة: اغسل ما حولها ... ولم ير ذلك – يعني المسح - داود وأصحابنا. ا لمحلى (2/ 76و 77)
ثالثاً: أدلة الفريقين ومناقشتها.
أدلة الفريق الأول (القائلين بالإيجاب):
1 - الأحاديث الواردة في الباب.
2 - قياسها بالمسح على الخفين.
3 - - قياسها بالمسح على الشعر.
4 - قياسها بالمسح على العمامة.
5 - لأنه قول ابن عمر ولم يعرف له في الصحابة مخالف.
مناقشة أدلة الفريق الأول:
1 - بالنسبة للأحاديث فقد مرّ ذكرها في الفصل الأول مع بيان مرتبة كل حديث،وأنها أحاديث ضعيفة لا تقوى بكثرة الطرق لأن ضعفها شديد، فلا يصح الاحتجاج بها، لأنها لا تصلح لإثبات حكم شرعي.
2 - قال ابن حزم: وانما أوجب المسح على الجبائر قياسا على المسح على الخفين، والقياس باطل، ثم لو كان القياس حقا لكان هذا منه باطلا، لان المسح على الخفين فيه توقيت، ولا توقيت في المسح على الجبائر، مع أن قول القائل: لما جاز المسح على الخفين وجب المسح على الجبائر -: دعوى بلا دليل، وقضية من عنده، ثم هي أيضا موضوعة وضعا فاسدا، لانه إيجاب فرض قيس على إباحة وتخيير، وهذا ليس من القياس في شئ ... المحلى (2/ 76)
قال ابن قدامة: فصل: ويفارق مسح الجبيرة مسح الخف من خمسة أوجه أحدها أنه لا يجوز المسح عليها إلا عند الضرر بنزعها والخف بخلاف ذلك والثاني أنه يجب استيعابها بالمسح لأنه ضرر في تعميمها به بخلاف الخف فأنه يشق تعميم جميعه ويتلفه المسح وإن كان بعضها في محل الفرض وبعضها في غيره مسح ما حاذى محل الفرض نص عليه أحمد الثالث أنه يمسح على الجبيرة من غير توقيت بيوم وليلة ولا ثلاثة أيام لأن مسحها للضرورة فيقدر بقدرها والضرورة تدعو في مسحها إلى حلها فيقدر بذلك دون غيره الرابع أنه يمسح عليها في الطهارة الكبرى بخلاف غيرها لأن الضرر يلحق بنزعها فيها بخلاف الخف الخامس أنه لا يشترط تقدم الطهارة على شدها في إحدى الروايتين اختاره الخلال ... المغني (1/ 312)
3 - عند علماء الأصول إذا صح القياس فإنه لابد أن تنتقل فيه جميع أحكام المقيس عليه إلى المقيس، ونحن إذا طبقنا هذا الأمر هنا نجده لا يتوافق مع مقتضى القياس الصحيح،لأن فقهاء المذاهب الأربعة اتفقوا على أن من مسح رأسه بالماء في الوضوء ثم حلق شعره لم يجب عليه إعادة المسح، ولكنهم في المسح على الجبيرة اتفقوا أيضاً على العكس،فقالوا: أنه يعيد المسح على الجبيرة إذا نزعها من مكانها أو سقطت بنفسها من موضعها عن برأ أو عن غير برأ (البحر الرائق شرح كنز الدقائق (4/ 12)،و الخلاصة الفقهية على مذهب السادة المالكية (1/ 41)،و المجموع (2/ 332)، و المغني (1/ 325))، وهذا لا يتماشى مع الأصول الفقهية فيسقط الأخذ به.
4 - وهنا يقال ما قيل في النقطة الثانية انه إيجاب فرض قيس على إباحة وتخيير، وهذا ليس من القياس في شيء،فإن المسلم مخير في المسح على العمامة أو أن يمسح على رأسه مباشرة،لكن المسح على الجبيرة فرض واجب، وكذلك ِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَى الْمَسْحِ عَلَى الْجَبَائِرِ؛ لِأَنَّ فِي نَزْعِهَا حَرَجًا وَضَرَرًا، وليس هذا من أمر العمامة في شيء.
5 - قلنا: هذا فعل منه، وليس إيجابا للمسح عليها، وقد صح عنه رضى الله عنه أنه كان يدخل الماء في باطن عينيه في الوضوء والغسل، وأنتم لا ترون ذلك، فضلا عن أن توجبوه فرضا، وصح انه كان يجيز بيع الحامل واستثناء ما في بطنها، وهذا عندكم حرام ... المحلى (2/ 76)
دليل الفريق الثاني (القائلين بالمنع):
1 - البراءة الأصلية،والبقاء على الأصل،وهو عدم التكليف إلا بدليل صحيح صريح، ولأن الشرع لم يأت بتعويض المسح على الجبائر والدواء من غسل ما لا يقدر على غسله،فسقط القول بذلك.
مناقشة دليل الفريق الثاني:
1 - من المعروف أن الظاهرية لا يحتجون بالقياس وقد صرح بذلك بن حزم في هذه المسألة خصوصاً فقال: والقياس باطل. ولهذا لجئ إلى القول بالبراءة الأصلية، ولا عتب عليه لأنها أصوله التي يسير عليها وإن كنا لا نوافقه عليها، ولكن الكلام مع الذين يقولون بحجية القياس ويعتبرونه من أصول الاستدلال عند أهل السنة!!!
¥