تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[طويلبة علم حنبلية]ــــــــ[29 - 08 - 09, 10:51 م]ـ

لا يوجد دليل صحيح صريح في منع المُحدِث من قراءة القرآن، ولا من مسّ المصحف، سواء كان حدثا أصغر أم أكبر.

أما الاستدلال بعموم قوله تعالى: (لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ)

فليس بصواب – والله أعلم – ذلك أن الآية مرتبطة بما قبلها

فإن الله تبارك وتعالى قال في سياق الآيات: (إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78) لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ)

فالذي في الكتاب المكنون هو ما في اللوح المحفوظ، وقد تكرر وصف القرآن بذلك.

قال الله جل جلاله: (بَلْ هُوَ قُرْآَنٌ مَجِيدٌ (21) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ)

هذا من ناحية.

ومن ناحية أخرى فإن المقصود بـ (الْمُطَهَّرُونَ) هم الملائكة.

وأما البشر فإنهم لا يُطلق عليهم (مطهّرون) لأنهم يتطهرون

ولذا قال الله عز وجل في شأن البشر (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)

وقال في أهل قباء: (فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ)

وقال في شأن النساء: (فَإِذَا تَطَهَّرْنَ)

فالناس يتطهّرون، ولا يُوصفون بأنهم (مُطهّرون)

قال ابن عباس: (لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ) قال: الكتاب الذي في السماء.

وقال مرة: يعني الملائكة.

وكذا ورد عن ابن مسعود حيث قال: هو الذكر الذي في السماء لا يمسه إلا الملائكة

قال قتادة: (لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ) قال: لا يمسه عند الله إلا المطهرون، فأما في الدنيا فإنه يمسه المجوسي النجس، والمنافق الرجس، وقال: وهي في قراءة ابن مسعود (ما يمسه إلا المطهرون) وقال أبو العالية (لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ) قال: ليس أنتم. أنتم أصحاب الذنوب.

قال الإمام مالك أحسن ما سمعت في هذه الآية: (لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ) إنما هي بمنزلة هذه الآية التي في عبس وتولى؛ قول الله تبارك وتعالى: (كَلاَّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (11) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (12) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرَامٍ بَرَرَةٍ).

إذاً سقط الاستدلال بالآية على منع المُحدث حدثا أصغر أو أكبر من مس المصحف.

وهنا مسألة، وهي

ينبغي التفريق بين مس المصحف، وبين قراءة القرآن.

وبقي الاستدلال ببعض الأحاديث التي استدل بها مَن منع الحائض أو الجُنُب من قراءة القرآن، أو منع غير المتوضئ من مسّ المصحف.

فقد استدلوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقضي حاجته ثم يخرج فيقرأ القرآن، ولا يحجزه - وربما قال - ولا يحجبه عن ذلك شيء ليس الجنابة. رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن خزيمة والحاكم وقال: هذا حديث صحيح الإسناد والشيخان لم يحتجا بعبد الله بن سلمة فمدار الحديث عليه، وعبد الله مطعون فيه.

ورواه ابن الجارود في المنتقى، وقال: قال يحيى: وكان شعبة يقول في هذا الحديث: نعرف وننكر. يعني أن عبد الله بن سلمة كان كبر حيث أدركه عمرو.

وأطال الشيخ أبو إسحاق الحويني في تخريجه وذكر طُرقه، وذلك في غوث المكدود بتخريج منقى ابن الجارود (ح 94)، ورجّح ضعفه.

ومن قبله الشيخ الألباني – رحمه الله – فقد أطال في تخريجه والكلام عليه في الإرواء

(ح 485)

ثم إن هذا الحديث لو صح فإنه لا يدل على المنع؛ لأنه حكاية فعل، وحكاية الفعل المُجرّد لا يدل على المنع ولا يدل على الوجوب.

قال ابن حجر: قال ابن خزيمة: لا حجة في هذا الحديث لمن منع الجنب من القراءة؛ لأنه ليس فيه نهي، وإنما هي حكاية فعل. اهـ.

ومع أنه حكاية فعل إلا أنه حديث ضعيف لا تقوم به حُجّة.

ومما استدلوا به أيضا حديث علي رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ، ثم قرأ شيئا من القرآن، ثم قال: هكذا لمن ليس بجُنب، فأما الجنب فلا ولا آية. رواه الإمام أحمد وأبو يعلى والضياء في المختارة، وضعفه الشيخ الألباني في الإرواء. الموضع السابق.

إذا ليس هناك حديث صحيح صريح في منع المُحدِث من قراءة القرآن، سواء كان حدثا أكبر أو أصغر.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير