وقد جمع هؤلاء بين التشبه بهم فيما ذكر والإعانة لهم على كفرهم فيزدادون به طغيانًا، إذ إنهم إذا رأوا المسلمين يوافقونهم أو يساعدونهم أو هما معًا كان ذلك سببًا لغبطتهم بدينهم ويظنون أنهم على حق، وكثر هذا بينهم!)) انتهى [المدخل 2/ 46ـ47]
وقال الإمام الونشريسي المالكي في المعيار:تحت عنوان (الاحتفال بفاتح السنة الميلادية)
((وسُئل أبو الأصبغ عيسى بن محمد التميلي عن ليلة ينير (يناير) التي يسميها الناس (الميلاد) ويجتهدون لها في الاستعداد، ويجعلونها كأحد الأعياد، ويتهادون بينهم صنوف الأطعمة وأنواع التحف والطرف المثوبة لوجه الصِّلة، ويترك الرجالُ والنساءُ أعمالهم صبيحتها تعظيمًا لليوم، ويعدّونه رأس السنة، أترى ذلك ـ أكرمك الله ـ بدعة محرّمة لا يحل لمسلم أن يفعل ذلك، ولا أن يجيب أحدًا من أقاربه وأصهاره إلى شيء من ذلك الطعام الذي أعدّه لها؟
أم هو مكروه ليس بالحرام الصراح؟ أم مستقل؟ وقد جاءت أحاديث مأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في المتشبّهين من أمته بالنصارى في نيروزهم ومهرجانهم، وأنهم محشورون معهم يوم القيامة. وجاء عنه أيضًا أنه قال: (من تشبّه بقوم فهو منهم). فبيّن لنا أكرمك الله ما صح عندك في ذلك إن شاء الله.
فأجاب: قرأت كتابك ووقفت على ما عنه سألت وكل ما ذكَرْتَه في كتابك فمحرّمٌ فِعْلُه عند أهل العلم. وقد رويت الأحاديث التي ذكرتها من التشديد في ذلك.
ورويتُ أيضًا أن يحيى بن يحيى الليثي (راوي الموطأ) قال: لا تجوز الهدايا في الميلاد من نصراني ولا من مسلم، ولا إجابة الدعوة فيه، ولا استعداد له. وينبغي أن يجعل كسائر الأيام، ورَفَعَ فيه حديثًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يومًا لأصحابه: (إنكم مُسْتَنْزَلون بين ظهراني عجم، فمن تشبه بهم في نيروزهم ومهرجانهم حُشِرَ معهم) قال يحيى: وسألتُ عن ذلك ابن كنانة، وأخبرته بحالنا في بلدنا فأنكر وعابه وقال: الذي يثبت عندنا في ذلك الكراهية، وكذلك سمعت مالكًا يقول: لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (من تشبّه بقوم حشر معهم). [المعيار 11/ 150ـ151]
ووقع لسحنون مثل ما تقدم، ونصّه:"ولا تجوز الهدايا في الميلاد من مسلم ولا من نصراني ولا إجابة الدعوة فيه، ولا الاستعداد له. انتهى [المعيار 11/ 154]
قال الإمام النووي الشافعي في (الروضة) 10/ 230 عند المسألة العاشرة من مسائل في السلام
: (قول الرافعي) .. العاشرة في استحباب السلام على الفساق ووجوب الرد على المجنون والسكران إذا سلما وجهان ولا يجوز ابتداء أهل الذمة بالسلام فلو سلم على من لم يعرفه فبان ذمياً استحب أن يسترد سلامه بأن يقول استرجعت سلامي تحقيراً له وله أن يحيي الذمي بغير السلام بأن يقول هداك الله أو أنعم الله صباحك ولو سلم عليه ذمي لم يزد في الرد على قوله وعليك.
قلت (النووي): ما ذكره من استحباب استرداد السلام من الذمي ذكره (المتولي) ونقله عن ابن عمر رضي الله عنهما، وقوله أن يحيي الذمي بغير السلام ذكره المتولي وهذا إذا احتاج إليه لعذر فأما من غير حاجة فالاختيار أن لا يبتدئه بشيء من الإكرام أصلاً فإن ذلك بسطٌ له وإيناس وملاطفة وإظهار ودٍّ وقد قال الله تعالى {لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله}
وقال الإمام الغزالي الشافعي في إحياء علوم الدين 2/ 16
بيان مراتب الذين يبغضون في الله وكيفية معا ملتهم:
فإن قلت: إظهار البغض والعداوة بالفعل إن لم يكن واجباً فلا شك أنه مندوب إليه والعصاة والفساق على مراتب مختلفة فكيف ينال الفضل بمعاملتهم وهل يسلك بجميعهم مسلكاً واحداً أم لا؟ فاعلم أن المخالف لأمر الله سبحانه لا يخلو إما أن يكون مخالفاً في عقده أو في عمله، والمخالف في العقد إما مبتدع أو كافر والمبتدع إما داع إلى بدعته أو ساكت والساكت إما بعجزه أو باختياره: فأقسام الفساد في الاعتقاد ثلاثة: الأول: الكفر، فالكافر إن كان محارباً فهو يستحق القتل والإرقاق وليس بعد هذين إهانة، وأما الذمي فإنه لا يجوز إيذاؤه إلا بالإعراض عنه والتحقير له بالاضطرار إلى أضيق الطرق وبترك المفاتحة بالسلام، فإذا قال: السلام عليك، قلت: وعليك. والأولى الكف عن مخاطبته ومعاملته ومؤاكلته، وأما الانبساط معه والاسترسال إليه كما يسترسل إلى الأصدقاء فهو مكروه كراهة شديدة يكاد ينتهي ما يقوى منها إلى حد التحريم، قال الله تعالى: {لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله} الآية، وقال صلى الله عليه وسلم: ((المسلم والمشرك لا تتراءى ناراهما)) وقال عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة} الآية.
والحمد لله رب العالمين
خلدون مكي الحسني
ـ[محمد الأمين]ــــــــ[08 - 01 - 08, 06:26 م]ـ
جزاك الله خيرا
¥