وقفةٌ هادِئةٌ معَ تِجارةِ عَلاماتِ السّاعة!
ـ[أنور باشا]ــــــــ[22 - 01 - 03, 01:58 ص]ـ
عندما تضطرمُ الفِتن، و تتوالى المصائبُ، و تضيقُ على الناسِ المخارِجُ والمنادِح، تنبعثُ سحابةٌ من الحُزنِ و الأسى، فتَحجبُ عن الأعينِ الرؤيةَ الصحيحةَ، و تسدّ منافذَ التفكير الرشيد، إلاّ من هداه الله تعالى فأوى إلى ركنٍ شديد، و لاذَ بعلمٍ سديد، قوامُهُ: كتاب اللهِ عزّ و جلّ، و ما صحّ من السنّة النبوية، ففيهما العصمةُ من التيهِ الفكريّ، و الهلاكِ بأوديةِ الضّلال، التي تتخطّفُ السائرين في كلّ حينِ.
و ما تمرّ بهِ الأمة الإسلامية اليومَ من استضعافٍ و عدوانٍ و تمزيقٍ على أيدي أُمَمِ الكفرِ التي لا تَرقبُ في المسلمينَ إلاّ و لا ذمّة، قد كرّس الكثيرَ من معاني الذّلّةِ و الهَوان في القلوبِ، و ضربَتِ الهزيمةُ النفسيةُ بجرانها في الأفئدةِ، حتى شعُرَ الكثيرُ من المسلمينَ أنّ هذه الحالةَ قضاءٌ مُبرمٌ على الأمةِ الإسلاميّة، فَلا مناصَ و لا سبيل للتخلّصِ من هذا الواقعِ الأليمِ إلاّ بمُعجزةٍ أو خارقةٍ من الخوارق تُعيدُ للأمّةِ مجدَها الآفل، و عزّها الزائل. فالتَجأ الكثيرون في محاولةٍ هروبيةٍ من مرارةِ الواقعِ إلى أحضانِ الرؤى، و التفتيش غير المنضبطِ في علامات الساعة، علّهم يجدونَ في تضاعيفهَا السّلوى، و يلتمِسونَ فيها بارقةَ أملٍ، لفجرٍ مُشرقٍ جديدٍ يُبدّد هذا الظلامَ، الذي طالَ ليلُه.
فأخذتِ المطابعُ تقذفُ بكُتُبِ نفرٍ ممّن امتطوا صهوةَ الموجةَ السائدةَ، فكتَبوا في علاماتِ الساعةِ، و أتوا بالعجائبَ و الطوامّ، و حاولوا تنزيلَ الأحاديثَ الواردةِ في الفَتنِ و الملاحِم على الواقعِ المعاصر؛ و ذلك بليّ أعناق الأحاديثِ، و تحميلها ما لا تحتمل! و يا ليتَ الأمرَ توقّفَ عندَ الأحاديثِ الصحيحةِ و تعسّفِ تأويلها؛ و لكنّ المصيبةَ أنّ البعضَ قَد أتى ببدعةٍ جديدةٍ، و سنّ سنّةً سيّئةً؛ فطفِق يسوقُ الأحاديثَ الركيكةَ العاريةَ من أي أثارةٍ من نورِ النبوّةِ، و يسرُدُها سرداً، ثمّ يعزوها إلى مخطوطاتٍ مدفونةٍ في مكتباتِ تركيّا! و يُلحِقُ هذا الدّعيّ بالحشفِ سوءَ كَيلة، فيورِدُ تنبّؤاتِ الكاهنِ المشهور " نوستراداموس "، كأدلّةٍ على علاماتِ الساعةِ!
إذا كنّا سنعتذَرُ للعوامّ بجَهلِهَم، و شغَفِهِم بكلّ ما هو غريب، و أي أمرٍ يحملُ استشرافاً غيبيّاً لآفاقِ المستقبلِ؛ فما العذرُ الذي سنلتمِسُه لبعضِ طلبةِ العِلمِ المُتحمّسينَ لمَثلِ هذه الكُتُبِ؟ و يورِدونَ ما بِها استدلالاً علىَ قُربِ قيامِ السّاعةِ؟
إنّ السّاعةَ قريبةٌ لا محالةَ، و علاماتِها واقعةٌ لا جدالَ في ذلِك، و لكنّ الذي يُمارسُ الآنَ منَ العَبَثِ و الإستخفافِ بالعقولِ المسلمةِ أمرٌ خطيرٌ جداً، ينبغي أن ينبري له أهلُ العلمِ، و أن يقوموا بدورِهِم في تَحذيرِ الناسِ من الوقوعِ فريسةً لأوهامِ و هذيانِ أولئكَ الذين امتلأت جيوبهُم من أموالِ الناسِ على حَسابِ الأمانةِ الفكريّة و المنهجيّةِ العلميةِ، التي أُهدِرتْ بين طيّاتِ هاتيكَ الكُتب!
و صفوة القول أيّها الكِرام؛ إنّ علاماتِ الساعةِ من الأمورِ التي لم يتعبّدنا الله بِها إلا مِن خِلالِ تَصديقِها، و الإيمانِ بِها، و لم يأمُرْنا بالبحثِ عَنها على النّحوِ الحاصلِ اليوم من محاولاتِ متعسّفةِ لتنزيلِ الواقعِ علَيها؛ بل هي إشاراتٌ ألمحَت إلَيها نصوصُ الكتابِ و السنّةِ، حتى يزدادَ اليقينُ في قلوبِ المؤمنين لدى وقوعِها، و نَبادِرَ إلى العَمل، و نُسارعَ إلى التّوبةِ، و كما سأل الرّجلِ النبي صلى الله عليهِ و سلّم عنِ موعدِ الساعة، فأجابَه سيّدُ الخلقِ قائلاً: و ماذا أعددتَ لها؟ (رواه البخاري رقم 3412).
و السؤال الذي ينبغي أن نطرحَهُ على أنفسِنا: ماذا أعددنا لها؟
أخوكم الواثق بنصر الله
أنور باشا
ـ[أخو من طاع الله]ــــــــ[22 - 01 - 03, 07:20 ص]ـ
أحسنت أحسن الله إليك ..
أنور باشا أمير البيان في هذا الملتقى ..
حيَّاك الله وبيَّاك .. ونفعنا بفوائدك ..
ـ[أنور باشا]ــــــــ[22 - 01 - 03, 02:43 م]ـ
الأخ الفاضل أخا من طاعَ الله .. يشرّفني مرورُك على هذا المقال المتواضع، سيّدي ..
و شكراً لك على هذه الأريحية الأخويّة ..
أخوك و محبك: أنور باشا
ـ[البخاري]ــــــــ[22 - 01 - 03, 05:27 م]ـ
بارك الله فيك وسددك، لقد سمعت شيخنا الشيخ سليمان العلوان حفظه الله لا يفتر من تكرير مضمون ما ذكرت
ـ[أنور باشا]ــــــــ[23 - 01 - 03, 08:38 م]ـ
الأخ الفاضل البخاري .. أشكُرُكَ على المداخلة، و أنا لم آتِ بشيءٍ جديدٍ في هذا الكلام، و لكنّ عصرنا هذا المضطرمَ بالفِتَن جديرٌ بتذكيرِ الإخوةِ بالمسلّمات و الثوابت!
و إلى الله المشتكى!
ـ[أخو من طاع الله]ــــــــ[19 - 03 - 03, 04:11 ص]ـ
وإن لتجارة الرؤى حديثًا!!