وهو محرم إن كان بقصد المجاملة والمداراة، فلا يجوز خداعهم؛ ليتوهموا بهذه المشاركة أنهم على دين صحيح، والواجب إشعارهم بهذا، مما كانوا أقوياء، ومصارحتهم به متى سنحت الفرصة، والفرصة سانحة .. فإذا سألوا لم لا تشاركوننا ولا تهنئوننا، كما قد نفعل معكم؟.
كان الجواب: لأن ديننا يمنع من ذلك، وأنتم على دين باطل. يقال لهم ذلك بكل صدق وإخلاص، بقصد انقاذهم من عذاب الله تعالى، وبإظهار حب الخير لهم، أن يسلموا من هذا الانحراف، وينعموا بحياة طيبة مع رب واحد لا شريك له ولا ولد، يدعون إلى الإسلام بالرحمة والشفقة.
حالة واحدة استثنائية تجوز فيها المشاركة والتهنئة، فيما لو خشي المسلم المقيم بين ظهرانيهم الأذى إذا لم يفعل، فهذا معذور، وعند الله مأجور، وهذا بيان لحكم المضطر، وإلا فالواقع أن كثيرا من المسلمين لا يشاركون ولا يهنئون، وهم بينهم يقيمون، ولم يصبهم شيء لأسباب معروفة.
ومنع مشاركتهم أو التهنئة ليس سببه بطلان دينهم فحسب، بل لو كانوا على دين عيسى الذي جاء به من دون تبديل، لما جاز ذلك؛ لأن الله تعالى أرسل محمدا صلى الله عليه وسلم بدين خاتم لجميع الناس، فلو قدر أن أمما كانوا على دين بعض الأنبياء، لم يحرفوا ولم يبدلوا، لكان يجب عليهم أن يدعوا دينهم، ويتبعوا شريعة محمد صلى الله عليه وسلم، والأنبياء أنفسهم لو وجدوا في زمانه أو بعده لوجب عليهم أن يتبعوه، وعلى هذا أخذ الله ميثاق النبيين، وبه نطق النبي الأمين، وهكذا يصنع عيسى عليه السلام إذا نزل.
فإذا ما ثبت تحريم اعتناق المسيحية؛ كونها محرفة، أو لكون الإسلام ناسخا لها، لو قدر بقاؤها غير محرفة: فحينئذ فالمسيحية دين باطل كيفما قدر، لا يجوز اتباعها. ومن ثم لا تجوز احتفالاتهم هذه، فهي مبتدعة، وعليه فلا يجوز للمسلمين مشاركتهم فيها، ولا التهنئة؛ لأنها باطلة، تقوم على باطل.
* * *
قد وردت نصوص تحرم هذه المشاركات والتهنئات، مع أن ما سبق كاف في المنع، فمن ذلك:
- أن رجلا قال: إني نذرت أن أذبح إبلا ببوانة. فقال النبي: هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد، هل كان فيها عيد من أعيادهم؟، قال: لا. قال أوف بنذرك. رواه أبو داود
اشترط للوفاء بالنذر: ألا يفعل في مكان فيه أثر من آثار من هم على غير ملة الإسلام، كعيد أو وثن. ونص على اسم العيد، فمعنى الأثر: أنه لو كان في مكان ما، عيد من أعيادهم، أو وثن يعبد، فليس للمسلم أن يقيم في المكان عيدا، أو شعيرة، خصوصا إذا كان المكان قريب عهد بذلك؛ منعا للتشبه بهم، ولو في الظاهر، ولئلا تميل نفسه إلى الأوثان وتلك الأعياد.
فالمسلم هنا لم يحتفل بعيد لهم، ولم يشاركهم، ولم يهنئوهم، إنما فعل شعيرة وعبادة مشروعة في دينه: منع من فعلها، لو قصد فعلها في مكان لهم فيه أثر من عبادة أو عيد .. فأيهما أعظم: مشاركتهم مباشرة، مع الاحتكاك بهم، وفي عيد من أعيادهم، أو عبادة الله في مكان كان لهم فيه أثر؟.
إنك حين تشاركهم فقد فعلت عبادة باطلة، وهو الاحتفال غير المشروع .. فهذه واحدة، وخالطتهم وساويتهم في أداء هذه الشعيرة في دينهم. وحضرت مكان عبادتهم في وقت عبادتهم، فأديتها معهم في مكان عيدهم .. فهذه ثلاثة محذورات .. مقابل محذور واحد؛ إذا فعلت عبادة لله تعالى وحده، لكن في مكان فيه آثارهم الدينية؛ هو مشابهتهم في قصد المكان المعين. فالمشاركة والمشابهة في ثلاثة أعظم، أم في واحدة؟. فأما النبي فقد نهى التشبه بهم في واحدة، فكيف بما زاد؟.
أما التهنئة فليس فيها مشاركة حسية، نعم، لكن فيها تغرير بهم، وإيهام أنهم على دين صحيح، إلا إن كان يهنئوهم مع إظهاره إنكاره دينهم، كأن يقول لهم: نهنئوكم بعيدكم، وندعو لكم أن يهديكم صراطه المستقيم؛ الإسلام. ويجنبكم القول بأن عيسى هو الرب ابن الله تعالى الله. ونحو هذا ..
فإن فعل هذا، فهو عمل حسن، وهو كما يحضر الرجل الصالح مجلس منكر للإنكار، وفيه أداء للأمانة ببيان الحق، أما التهنئة وحدها، الدالة على مشاركتهم أفراحهم الدينية وجدانيا، فهذا يغريهم بالقعود على دينهم، وإن أكبر من يبين لهم الهدى هم المسلمون، ليس غيرهم، بما معهم من الكتاب والميزان، فإذا سكتوا عنهم، فمن يبين لهم؟.
وليس لهم أن يسكتوا، فالله تعالى أخذ العهد عليهم: أن يهدوا الناس بإذنه إلى صراطه المستقيم.
ـ[أبو يوسف التواب]ــــــــ[11 - 01 - 08, 09:21 م]ـ
جزى الله الشيخ المبارك خير الجزاء، ونفع به.