إنني أعاني أشد المعاناة، وأعيش أقسى أيام حياتي، ذبحني والدي بغير سكين، ذبحني يوم حرمني من الأمان والاستقرار والزواج والبيت الهادئ بسبب دريهمات يتقاضاها من مرتبي آخر الشهر، يقتطعها من جهدي وتعبي وكدي.
أخذ الشيطان بيدي إلى الرذيلة، وساقني إلى الشر، فأخذت أعاكس، وأتكلم مع الشباب والرجال في الهاتف، حتى أصبحت سمعتي في الحضيض؛ بسبب رفض أبي لزواجي.
لا تستغرب!!! فإن مثل هذه الواقعة كثير، وهو منظر يتكرر كل يوم، ولا شك أن من أعظم ما جرّ النساء إلى الفواحش والزنا ومنكرات الأخلاق هو جلوسهن من غير زواج، ولو تزوجن لأحصن أنفسهن وأزواجهن ولاستعففن في بيوتهن وإن في ذلك لعبرة لمن أراد الحفاظ على عرضه وصون محارمه، لأن حالة الضعف طارئة على الإنسان ولربما في حالة ضعف يحدث من هذه المرأة ما لا يتوقع حدوثه، وصدق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حيث قال: "إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير" (1) ( http://www.salemalajmi.com/tafreeat/28.html#1).
ولقد تنوعت الدوافع والأسباب لدى هؤلاء الآباء في تحجيرهم على بناتهم، وإرغامهن على الجلوس دون زواج، فبعضهم يدفعه لذلك الطمع براتب ابنته الموظفة، فلا يريد أن يزوجها مخافة أن يفلس مما تدرّه عليه من مبالغ طائلة نهاية كل شهر، وكأنه بذلك يريد أن يأخذ أجر أبوته وتربيته لها، فيا للأسف ويا لموت المروءة والشيم عند بعض الناس.
فترى السنين تمر بها، والأعوام تنطوي، وكلما تقدم لها رجل، قال: إنها لا تريد الزواج، وراح يعلل بأعذار واهية، وتلفيقات كاذبة؛ حتى يصرف الخطاب عنها.
أحدهم لما عوتب على عدم تزويج ابنته الموظفة، قال: أزوّج فلانة؟! تريدون أن أموت من الجوع؟!
بعضهم ينفر الخطاب عنها لأنه يريد أن يبيعها بمبلغ خيالي يسميه مخادعة بالمهر.
ومن الطوام العظيمة، تمسك بعض الناس بالعادات القبلية البائدة، والأعراف الظالمة، التي لا يقرها الشرع، ولا يقبلها العقل، وذلك أن بعض الناس لا يزوج ابنته إلا برجل من قبيلته، وتعظم المصيبة إذا كان هذا الرجل من رؤوس القبيلة، فإنه لا يخرجها إلا لخواص بني عمومته، وإذا أعرض عنها أبناء العمومة فإنها تجلس دون زواج، ويتعلل بأن هذا قدرها.
والمصيبة أن بعض هؤلاء يذهب ليتزوج من جميع القبائل، والمرأة يحرم عليها أن تخرج، ليس للقبائل الأخرى!، بل حتى لأبناء قبيلتها، بل حتى لأبناء فَخِذِها.
وعلى هذا .. فتأمل بأعين الحزن نساء مُتْنَ ولم يتزوجن، ولا أبالغ فإن هذا حدث!؛ ونساء تخطين الشباب إلى الشيخوخة ولم يتزوجن.
ولا زال الوالد (صاحب الدم المقدس)، على طريقته وأعرافه و (سلوم القبيلة).
فيا هذا نحن نخاطبك بالعقل، ونقول: لا تزوج أبناء القبائل الأخرى، لكن زوج أبناء قبيلتك، أو زوج من يدانيك في المنزلة التي تزعمها لنفسك، وإن كان من قبيلة أخرى، واستر عورتك فإن المرأة عورة.
قال بعض السلف: من تزوجت ابنته، فإنما هي عورة سترت، ومؤنة كفيت.
ومن المحزن أن تجد أحيانا في البيت الواحد أكثر من ضحية على هذه الحال، وكل هذا لا يهم، المهم أن لا يطرأ على العائلة أيّ تغيير يقدح بالنظام الذي سارت عليه ردحا من الزمان.
فأين الأمانة أيها الآباء؟
استمعوا إلى أنين الحيارى، وشكاوى الأيامى، وتحسسوها بقلوبكم وعقولكم، فلربما هي لم تفصح، ولكن أنت لا تحس؟!
استمع إليها تخاطبك ..
أبي .. كنتُ يوماً أعيش الحنان وأحمل حُلماً بقلبي الصغيرْ
أقوم أناجي طيور الصباح وأغفو طويلاً بحُلمٍ كبيرْ
كبرتُ وتاهت بيَ الأمنيات وأبصرتُ عمري أمامي يطيرْ
ظمئتُ فلم ألقَ غير السراب وتهتُ ولم أدر أين المسيرْ
لقد كنت أحلُم مثل البنات ببيتٍ سعيدٍ وطفلٍ صغيرْ
فأغمر طفلي بفيض حناني وترفل بنتي بثوبٍ حريرْ
أبي .. قد ركبتُ بحورَ الأماني فعدتُ بجرحٍ وقلبٍ كسيرْ
سجنتَ فؤادي بحصنٍ منيعٍ وقطّعتَ دوني جميعَ الجسورْ
إذا جاء شخصٌ يريد عفافي تهيجُ جنوناً وتُبدي النفورْ
فهذا كبيرٌ وذاك صغيرٌ وهذا طويلٌ وذاك قصيرْ
فأعرَضَ عني الرجالُ وصارت حياتي شقاءً وساء المصيرْ
أتوق لكلْمةِ"ماما" كما قدْ تشوّقَ للضوءِ شخصٌ ضريرْ
وزوجٍ يؤانس وحشةَ روحي ألستَ تحسُّ بهذا الشعورْ؟!
أبي .. قد ذبُلتُ وضاع شبابي ولا زلتَ تلهو بكل سرورْ
كأنك ما قد ظلمتَ فتاةً تئن وتبكي لسوء الأمورْ
¥