فماذا عسى أن تقولَ إذا ما بُعثتَ إلى الله يوم النشورْ؟
أئنُّ وأشكو إلى الله حالي فنعم المعينُ ونعم النصيرْ
الحقيقة أن الأمر غاية في الغرابة!!
فهذا الرجل وأمثاله ألا يشعرون؟!
ألا يتذكر أحدهم الفراغ الذي كان يسيطر على حياته قبل زواجه؟
ألم يكن محتاجا للدفء العاطفي، والاستقرار النفسي؟!
ألم يكن متشوقا لرؤية أبنائه؟
بل وبصراحة، ألم يكن محتاجا لقضاء وطره وإشباع غريزته؟
فلماذ لم يتساءل؟ فهل المرأة تختلف.
اسمعوا نداء الغريزة ..
ضرب عبد الملك بن مروان بعثا إلى اليمن فأقاموا سنين حتى إذا كان ذات ليلة خرج للعسس، فبينما هو في بعض أزقتها إذ هو بصوت امرأة قائمة تصلي فتسمع إليها فلما انصرفت إلى مضجعها قالت: اللهم مسير النجب ومنزل الكتب ومعطي الرغب أسألك أن ترد لي غائبي فتكشف به همي وتقر به عيني وأسألك أن تحكم بيني وبين عبد الملك بن مروان الذي فعل بنا هذا ثم أنشأت تقول:
تطاول هذا الليل فالعين تدمع وأرقني حزن لقلبي موجع
فبت أقاسي الليل أرعى نجومه وبات فؤادي بالجوى يتقطع
إذا غاب منها كوكب في مغيبه لمحت بعيني كوكبا حين يطلع
إذا ما تذكرت الذي كان بيننا وجدت فؤادي حسرة يتصدع
وكل حبيب ذاكر لحبيبه يرجي لقاه كل يوم ويطمع
فذا العرش فرج ما ترى من صبابتي فأنت الذي يدعو العباد فيسمع
دعوتك في السراء والضر دعوة على حاجة بين الشراسيف تلذع
فقال عبد الملك لحاجبه: تعرف هذا المنزل؟ قال: نعم، هذا منزل يزيد بن سنان. قال: فما المرأة منه؟ قال: زوجته، وكتب ألا يتأخر البعث أكثر من ستة أشهر.
وكان عمر ابن الخطاب رضي الله عنه إذا أمسى أخذ درته ثم طاف بالمدينة فإذا رأى شيئا ينكره أنكره فبينما هو ذات ليلة يعس إذ مر بامرأة على سطح وهي تقول:
تطاول هذا الليل واخضل جانبه وأرقني أن لا خليل ألاعبه
فوالله لولا الله لا رب غيره لحرك من هذا السرير جوانبه
مخافة ربي والحياء يصدني وأكرم بعلي أن تنال مراكبه
ثم تنفست الصعداء، وقالت: لهان على عمر بن الخطاب ما لقيت الليلة.
فضرب باب الدار، فقالت: من هذا الذي يأتي إلى امرأة مغيبة هذه الساعة؟
فقال: افتحي، فأبت.
فلما أكثر عليها، قالت: أما والله لو علم بك أمير المؤمنين لعاقبك، قال: افتحي فأنا أمير المؤمنين، قالت: كذبتَ، لست أمير المؤمنين، فرفع بها صوته وجهر لها، فعرفت أنه هو ففتحت له، فقال هيه كيف قلت؟، فأعادت عليه ما قالت، فقال: أين زوجك؟ قالت: في بعث كذا وكذا، فبعث إلى عامل ذلك الجند أن سرح فلان ابن فلان، فلما قدم عليه، قال: اذهب إلى أهلك، ثم دخل على حفصة ابنته فقال: أي بنية! كم تصبر المرأة عن زوجها؟ قالت: شهرا، واثنين، وثلاثة، وفي الرابع ينفد الصبر فجعل ذلك أجلا للبعث.
ألا تدري أيها العاقل أن جلوس المرأة دون زواج كالجمرة التي تحتضنها، لا تدري في أي لحظة ستحرق ثيابك!
ولا تقل: إن النسب والحسب يمنع، فالفتنة إذا تحركت لا يوقفها شيء، والضعف موجود.
ولا نقول ذلك تهوينا للفساد، ولكن لننبه إلى ما قد يقع.
ويا عبد الله: احذر من الظلم.
فما قولك حين تقف بين يدي الله، وقد ظلمت هذه المسكينة، وأغلقْت دونها الأبواب، وكلما تقدم لها رجل كفء رفضته، فما عذرك أمام الله؟
ألا تخشى أن تدعو عليك هذه المسكينة حين تأجج مشاعرها، وفوران غريزتها، وشوقها لطفل تحتضنه، وتضمه إلى صدرها.
لقد بلغ ظلم بعض الآباء لبناتهم إلى درجة كبيرة تحمل في طياتها كل معاني الأسى والحسرة، بعضهم جهلاً وبعضهم غفلة وبعضهم استغلالاً وبعضهم ربما يكون نتيجة مرض نفسي هو نفسه لا يعرف سببه، ولقد جاءت السنة النبوية محذرة من الظلم وعقوبته، قال صلى الله عليه وسلم: "بابان معجلان عقوبتهما في الدنيا، البغي والعقوق" (2) ( http://www.salemalajmi.com/tafreeat/28.html#2).
كما جاءت مبينة فضل تربية البنات والصبر عليهن، واحتساب الأجر في تربيتهن، وموصية بإحسان الصحبة لهن، قال صلى الله عليه وسلم: "من ابتلي من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كن له ستراً من النار" (3) ( http://www.salemalajmi.com/tafreeat/28.html#3).
وقال صلى الله عليه وسلم: "من كان له أختان أو بنتان فأحسن إليهما ما صحبتاه كنت أنا وهو في الجنة كهاتين ـ وقرن بين إصبعيه ـ" (4) ( http://www.salemalajmi.com/tafreeat/28.html#4).
¥