ومن أبواب الصدقة ما لا ينتبه له أكثر الناس مع أنه هين، من ذلك التساهل مع البياع الذي يدور على الأبواب يبيع الخضر أو الفاكهة أو البصل، فتأتي المرأة تناقشه وتساومه على القرش وتظهر " شطارتها " كلها، مع أنها قد تكون من عائلة تملك مئة ألف وهذا المسكين لا تساوي بضاعته التي يدور النهار لييعها، لا تساوي كلها عشرة قروش ولا يربح منها إلا قرشين!
فيا أيها النساء أسألكن بالله، تساهلن مع هؤلاء البياعين وأعطوهم ما يطلبون، وإذا خسرت الواحدة منكن ليرة فلتحتسبها صدقة؛ إنها أفضل من الصدقة التي تعطى للشحاذ.
ومن أبواب الصدقة أن تفكر معلمة المدرسة حينما تكلف البنات شراء ملابس الرياضة مثلا، أو تصر على شراء الدفاتر الغالية والكماليات التي لا ضرورة لها من أدوات المدرسة، أن تفكر أن من التلميذات من لا يحصل أبوها أكثر من ثمن الخبز وأجرة البيت، وأن شراء ملابس الرياضة أو الدفاتر العريضة أو " الأطلس " أو علبة الألوان نراه نحن هينا ولكنه عنده كبير، والمسائل – كما قلت – نسبية، ولو كلفت المعلمة دفع ألف جنيه لنادت بالويل والثبور، مع أن التاجر الكبير يقول: وما ألف جنيه؟! سهلة! سهلة عليه وصعبة عليها، كذلك الخمس قروش أو العشر سهلة على المعلمة ولكنها صعبة على كثير من الآباء.
والخلاصة ياسادة: إن من أحب أن يسخر الله له من هو أقوى منه وأغنى فليعن من هوأضعف منه وأفقر، وليضع كل منا نفسه في موضع الآخر، وليحب لأخيه ما يحب لنفسه، إن النعم إنما تحفظ وتدوم وتزداد بالشكر، وإن الشكر لا يكون باللسان وحده، ولو أمسكالإنسان سبحة وقال ألف مرة " الحمد لله " وهو يضن بماله إن كان غنيا، ويبخل بجاهه إن كان وجيها، ويظلم بسلطانه إن كان ذا سلطان لا يكون حامدا لله، وإنما يكون مرائيا أو كذابا.
فاحمدوا الله على نعمه حمدا فعليا، وأحسنوا كما تحبون أن يحسن الله إليكم، واعلموا أن ما أدعوكم إليه اليوم هو من أسباب النصر على العدو ومن جملة الاستعداد له؛ فهو جهاد بالمال، والجهاد بالمال أخو الجهاد بالنفس.
ورحم الله من سمع المواعظ فعمل بها ولم يجعلها تدخل من أذن لتخرج من الأخرى
ـ[ابو الحارث الشامي]ــــــــ[16 - 01 - 08, 09:09 م]ـ
صدقت بل مقال اكثر من رائع
جزاك الله خيرا على هذا الاختيار الموفق والنقل الرائع
ـ[أبو علي الطيبي]ــــــــ[16 - 01 - 08, 09:16 م]ـ
رحمك الله يا علي الطنطاوي ..
وجزاك الله خيرا يا أبا هداية!
ـ[عمرو دبور]ــــــــ[16 - 01 - 08, 09:39 م]ـ
ما شاء الله تبارك الله ... ما أحسب مقالا كهذا إلا وقد كتب بمداد الإخلاص ... فقد والله ذكرني بشئ كنت أؤجل فيه وأماطل فإذا بهذا المقال أمامي في وسط لحظات انشغالي بهذا الأمر ليدفعني بل وليعمل كرسالة هي وإن كانت منشورة على منتدي ويمكن لجميع البشر الاطلاع عليها إلا إنني ما أظهنا إلا إلى ولا الشيخ أظنه يكلم سواي ... نسأل الله أن نعمل بقوله جل وعز: "وسارعوا ... ". شكر الله لأخينا الناقل ... ورحم الله شيخنا الفاضل ... وجعل الله أعمالنا وإياكم كخير عامل ... والسلام
ـ[أبو مشاري]ــــــــ[17 - 01 - 08, 09:31 ص]ـ
جزاك الله خيرا
ما قرأت مقال للطنطاوي و قد ذيل أو صدر بأنه من الإذاعة! إلا استغربت كم يتفق لأحد أن يأتي بمثل هذا البيان، و الفائدة خلال حديث إذاعي ...
فرحم الله أديب الفقهاء و فقيه الأدباء
علي الطنطاوي
ـ[أبو هداية]ــــــــ[17 - 01 - 08, 01:43 م]ـ
رحم الله الشيخ الطنطاوي وأعلى منزلته في عليين
وجزاكم الله خيراً على المرور
أسأل الله عزوجل أن ينفعنا بما نكتب.