وربما اتفق خمسون ومائة، ولقد تاب عندي في بعض الأيام أكثر من مائة
وعمومهم صبيان قد أنشأوا على اللعب والانهماك في المعاصي، فكأن الشيطان لبعد غوره في الشر رآني أجتذب منه فأراد أن يشغلني عن ذلك بما يزخرفه ليخلو هو بمن أجتذبهم من يده
ولقد حسَّن إلى الانقطاع عن المجالس و قال: لا يخلو من تصنع للخلق
فقلت: أما زخرفة الألفاظ و تزويقها وإخراج المعنى من مستحسن العبارة ففضيلة لا رذيلة، وأما أن أقصد الناس بما لا يجوز في الشرع فمعاذ الله
ثم رأيته يريني في التزهد قطع أسباب ـ ظاهرة الإباحة ـ من الاكتساب
فقلت له: فإن طاب لي في الزهد و تمكنت من العزلة فنفذ ما بيدي أو احتاج بعض عائلتي ألست أعود القهقرى؟
فدعني أجمع ما يسدّ خلتي، ويصونني عن مسألة الناس، فإن مد عمري كان نعم السبب، وإلا كان للعائلة، ولا أكون كراكب أراق ماءه لرؤية سراب، فلما ندم وقت الفوات لم ينتفع بالندم
وإنما الصواب توطئة المضجع قبل النوم و جمع المال الساد للخلة قبل الكِبر أخذا بالحزم
وقد قال الرسول صلى الله عليه و سلم: ((لأن تترك ورثتك أغنياء خير لك من أن تتركهم عالة يتكففون الناس))
و قال: ((نعم المال الصالح للرجل الصالح))
وأما الانقطاع فينبغي أن تكون العزلة عن البشر لا عن الخير، والعزلة عن البشر واجبة على كل حال، وأما تعليم الطالبين وهداية المرتدين فإنه عبادة العالم
و إن من تفضيل بعض العلماء إيثاره للتنفل بالصلاة والصوم عن تصنيف كتاب أو تعليم علم ينفع لأن ذلك بذر يكثر ريعه و يمتد زمان نفعه
وإنما تميل النفس إلى ما يزخرفه الشيطان من ذلك لمعنيين:
أحدهما: حب البطالة لأن الانقطاع عندها أسهل
الثاني: لحب المدحة فإنها إذا توسمت بالزهد كان ميل العوام إليها أكثر
فعليك بالنظر في الشرب الأول فكن مع الشرب المقدم وهم الرسول صلى الله عليه و سلم وأصحابه رضي الله تعالى عنهم
فهل نقل عن أحد منهم ما ابتدعه جهلة المتزهدين و المتصوفة من الانقطاع عن العلم؟
والانفراد عن الخلق؟
وهل كان شغل الأنبياء إلا معانات الخلق وحثهم على الخير ونهيهم عن الشر؟
إلا أن ينقطع من ليس بعالم يقصد الكف عن الشر فذاك في مرتبة المحتمي يخاف شر التخليط
فأما الطبيب العالم بما يتناول فإنه ينتفع بما يناله))
والجاهل أيضًا لا ينبغي له أن يعتزل الناس، وقد قال ابن الجوزي في موضع آخر في صيد الخاطر:
((إنه إذا إعتزل الجاهل فاته العلم فتخبط))
ـ[أبوبدر ناصر]ــــــــ[19 - 01 - 08, 06:58 ص]ـ
الإخوة الأفاضل عند فتحي لهذا الموضوع قصدت المذاكرة و معرفة آراء العلماء و لم أرجح رأيا، و لكني فوجئت بتعليقات الإخوة "ضيقت واسعا" "متشائم" فأنا لم أنصر قولا وإنما تسائلت فقط
ـ[أبوبدر ناصر]ــــــــ[19 - 01 - 08, 07:07 ص]ـ
كلام شيخ الإسلام و ابن الجوزي جميل في هذا الباب
ـ[عبدالسلام الأزدي]ــــــــ[19 - 01 - 08, 12:04 م]ـ
أعتذرُ منك - أخي - إن كنتُ قد جرحتُك!
ـ[أبوبدر ناصر]ــــــــ[19 - 01 - 08, 08:03 م]ـ
إن شاء الله لا أحمل في قلبي عليك شيئا فنحن إخوان
ـ[سالم الشمري]ــــــــ[20 - 01 - 08, 09:24 ص]ـ
لعله في هذا الكلام ضابطا للعزلة والمخالطة
قال أحد العلماء: {كان خيار السلف يؤثرون العزلة والإنفراد عن الناس إشتغالا بالعلم والتعبد إلا أن عزلة القوم لم تقطعهم عن جمعة ولا جماعة ولا عيادة مريض ولا شهود جنازة ولا قيام بحق إنما هي عزلة عن الشر وأهله ومخالطة البطالين}
لا يحضرني المرجع بل نقلته من ذاكرتي وسأخبركم بالمصدر وآتي به وأضيفه قريبا ..
وإن لم أهم فلعله من كلامٍ لابن الجوزي رحمه الله