أولا: أن يكون فعل المباح مؤديا إلى ضرر أو حرام، فلمن له ولاية منع حصول الضرر أو المحرم، وذلك مثل منع ضعيف البصر من قيادة المركبات في الطرق للضرر الحاصل من ذلك، وهذا يندرج تحت القاعدة الشرعية منع الضرر والإضرار وموضوع الضرر أو المحرم أمر يمكن إدراكه والتحقق من واقعه، وليس أمرا مبهما، ولهذا إذا تدخلت الدولة لمنع ضرر أو محرم يجب منعه شرعا، فإنه يتحتم عليها إثبات الدليل على وجود الضرر أو الحرام حتى يكون عملها وفق الشرع في ذلك.
ثانيا: أن يكون أمر المباح متعلقا بشؤون الدولة الخاصة، كشؤون جيشها وموظفيها، فلها أن تلزم أو تمنع من يتعلق به ذلك من موظفيها وجنودها وعمالها لتحقيق مقصد شرعي، نحو إلزام الموظفين بدوام معلوم، وإلزام الجيش بلباس معين ونحوه، ولقد ثبت مثل هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين، حيث منعوا عمالهم من قبول الهدايا وإن كانت الهدايا في أصلها مباحة لهم.
ثالثا: تنظيم المرافق والأمور العامة التي يشترك فيها المسلمون، حيث ثبت بالسنة أن ما كان من مرافق المسلمين فإنهم يشتركون فيه نحو الماء والكلأ والنار والطرق العامة، وما كان من الأموال العامة كالفيء والغنائم فإن تنظيمه متروك للدولة لتحقيق المقصد الشرعي بعدم اختصاص أحد دون أحد فيه، وتحقيق صلاح المسلمين بتوزيعه، ولها عندئذ الإلزام أو المنع من بعض أفراد المباح على الوجه الشرعي.
رابعا: تنفيذ فروض الكفاية المنوطة بالدولة حيث جعل الشرع تنفيذ بعض فروض الكفاية منوطا بالدولة، فلها تنظيمه بالإلزام، نحو الاجتهاد في استنباط الأحكام فليس للدولة عند ذلك التدخل أو منع المجتهدين أو إلزامهم.
فالخلاصة أنه لا يجوز للدولة تحريم المباح أو إيجاب فعله، أو تقييده بإذنها كتشريع عام، وإنما يجوز لها التدخل بالمنع أو الإلزام في بعض أفراد المباح، وفي حالات مخصوصة بهدف تحقيق مقصد شرعي من ذلك وبالضوابط التي سبق بيانها، لأن الإباحة حكم من خالق العباد وربهم، ومتى ثبت بالدليل الشرعي إباحة الفعل فليس لمخلوق المنع أو الإلزام به على وجه العموم والإطلاق. والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية رقم الفتوى 49381
التحايل لتعديل المهنة
السؤال: لقد عزمت على استخراج سيارة أجرة، وذهبت للجهات المختصة، فأفادوني بأنه لابد أن تكون المهنة متسبباً، وأنا أعمل موظفاً ومهنتي في بطاقة الأحوال طالب، وذهبت للأحوال المدنية لتعديل المهنة إلى متسبب فقالوا لي: لابد أن تصدق على الطلب من العمدة، ولكنني رفضت الذهاب إلى العمدة؛ لأنه سيسألني هل أنا موظف أم لا، فقال لي أحد الأقارب الذي يعمل في إدارة الأحوال المدنية أعطني الطلب بدون تصديق العمدة وأنا أشهد عليه أنا وأحد زملائي، ونقدمه للمدير، فتمت العملية بنجاحٍ ووافق المدير وتعدلت المهنة، وأكملت الإجراءات، ولم يبق إلا إجراءات المرور فتوقفت عن إكمالها مع أنها لا تستغرق سوى سويعات، ولكني أخاف أن يدخل بطني أكلاً حراماً، مع العلم أنني ولله الحمد شخص مستقيم، أحافظ على الصلوات في المسجد وأحضر الدروس العلمية، ولا أقرب المحرمات ولله الحمد، فأرجو أن تفيدوني هل أكمل الإجراءات أم لا؟
الجواب:فإن تكسّبك بسيارة الأجرة عمل مباحٌ في أصله، وما اكتسبته في هذا العمل حلال طيب. أما ما تحايلتَ به على النظام لأجل استخراج سيارة الأجرة فلا أثر له على طيب كسبك من هذا العمل، ويشبه هذا أن يدخل رجل بلداً بجواز سفر مزوّر، أو يمكث فيها بإقامة مزورة، ويعمل مدة إقامته فيها بعمل مباح في أصله، فعمله مباح، وكسبه من عمله هذا حلالٌُ طيبٌ، وإن كان آثماً بالتزوير ومخالفة النظام والعقود. لذا أرى أن تمضي فيما أنت مقدم عليه، لا سيما إذا كان راتب وظيفتك لا يكفيك، ولا يفي بمتطلبات الحياة، والتي أصبحت اليوم أصعب من ذي قبل. وعليك الاستغفار عما سلف، ولا تعد لمثلها.
ويظهر أن النظام حين منع الموظفين من ممارسة هذا النوع من العمل كان يقصد الحفاظ على أدائهم الوظيفي، ويخشى أن يكون الإذن بممارستهم لهذا العمل يفتح باباً إلى التسيِّب الوظيفي. ولذا يُشرط ألا تتكسب بسيارة الأجرة إلا خارج وقت الدوام؛ لأن ذلك في الغالب يؤثر على أداء العمل. والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 10 / ص 413)
¥