تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وروى ابن المبارك عن الفضيل عن الحسن أنه ذكر الغني المترف الذي له سلطان يأخذ المال ويدعي أنه لا عقاب فيه، وذكر الضال الذي خرج بسيفه على المسلمين ثم قال: سنتكم - والذي لا إله إلا هو - بين الغالي والجافي والمترف والجاهل فاصبروا عليها، فإن أهل السنة كانوا أقل الناس، الذين لم يأخذوا مع أهل الأتراف في أترافهم، ولا مع أهل البدع في أهوائهم، وصبروا على سنتهم حتى أتوا ربهم، فكذلك إن شاء الله فكونوا. ثم قال: والله لو أن رجلا أدرك هذه المنكرات يقول هذا: هلم إليَّ، ويقول هذا: هلم إليَّ، فيقول: لا أريد إلا سنة محمد صلى الله عليه وسلم يطلبها ويسأل عنها، إن هذا ليعرض له أجر عظيم، فكذلك فكونوا إن شاء الله تعالى.

ومن هذا المعنى ما رواه أبو نعيم وغيره عن كميل بن زياد عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: الناس ثلاثة: عالم رباني، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع أتباع كل ناعق يميلون مع كل صائح، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجئوا إلى ركن وثيق،. . . ثم ذكر كلاما في فضل العلم إلى أن قال: هاه إن ههنا لعلما جما - وأشار بيده إلى صدره - لو أصبت له حمله، بل أصيب لَقِنا غير مأمون عليه مستعملا آلة الدين للدنيا، ومستظهرا بنعم الله على عباده وبحججه على أوليائه أو منقادا لحملة الحق لا بصيرة في أحنائه، ينقدح الشك في قلبه لأول عارض من شبهة، ألا لا ذا ولا ذلك، أو منهوما باللذة سلس القيادة للشهوة، أو مغرما بالجمع شيء شبها بهما الأنعام السائمة، كذلك يموت العلم بموت حامليه، اللهم بلى لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة إما ظاهرا مشهورا أو خائفا مغمورا لئلا تبطل حجج الله وبيناته، وكم ذا وأين أولئك؟ والله الأقلون عددا والأعظمون عند الله قدرا، يحفظ الله بهم حججه وبيناته حتى يودعوها نظراءهم ويزرعوها في قلوب أشباههم، هَجَم بهم العلم على حقيقة البصيرة، وباشروا روح اليقين واستلانوا ما استوعره المترفون

، وأنسوا بما أستوحش منه الجاهلون، وصحبوا الدنيا بأبدان أرواحها متعلقة بالمحل الأعلى، أولئك خلفاء الله في أرضه والدعاة إلى دينه، آه آه شوقا إلى رؤيتهم. انصرف إذا شئت.

فقسم أمير المؤمنين - رضي الله عنه - حملة العلم إلى ثلاثة أقسام: قسم هم أهل الشبهات وهم من لا بصيرة له من حملة العلم ينقدح الشك في قلبه بأول عارض من شبهة، فتأخذه الشبهة فيقع في الحيرة والشكوك، ويخرج من ذلك إلى البدع والضلالات.

وقسم هم أهل الشهوات وحظهم نوعان: أحدهما من يطلب الدنيا بنفس العلم، فيجعل العلم آلة لكسب الدنيا، والثاني من همه جمع الدنيا واكتنازها وادخارها، وكل أولئك ليسوا من رعاة الدين وإنما هم كالأنعام، ولهذا شبه الله تعالى من حُمَّل التوراة ثم لم يحملها بالحمار الذي يحمل أسفارا، وشبه عالم السوء الذي انسلخ من آيات الله وأخلد إلى الأرض واتبع هواه بالكلب، والكلب والحمار أخس الأنعام وأضل سبيلا.

والقسم الثالث من حملة العلم هم أهله وحملته ورعاته والقائمون بحجج الله وبيناته، وذكر أنهم الأقلون عددا، الأعظمون عند الله قدرا، إشارة إلى قلة هذا القسم وغربته من حملة أهل العلم.

وقد قسم الحسن البصري - رضي الله عنه - حملة القرآن إلى قريب من هذا التقسيم الذي قسمه علي رضي الله عنه لحملة القرآن.

قال الحسن: قُراء القرآن ثلاثة أصناف: صنف اتخذوه بضاعة فيتأكلون به، وصنف أقاموا حروفه وضيعوا حدوده واستطالوا به على أهل بلادهم واستندوا به لطلب الولاية، أكثر هذا الضرب من حملة القرآن لا كثرهم الله، وضرب عمدوا إلى دواء القرآن فوضعوه على داء قلوبهم فركدوا به في محاريبهم وحنوا به برانسهم واستشعروا الخوف، وارتدوا الحزن، فأولئك الذين يسقي الله بهم الغيث وينصر بهم على الأعداء، والله لهؤلاء الضرب في حملة القرآن أعز من الكبريت الأحمر بين قراء القرآن.

فأخبر أن هذا القسم - وهم قراء القرآن - جعلوه دواء لقلوبهم فأثار لهم الخوف والحزن وأعز من الكبريت الأحمر بين قراء القرآن.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير