تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لأن راعي الغنم لا يستطيع أن يجلس مع الناس؛ لأنه يخاف عليها من الذئب وكل عادية، فيكون دائماً خالياً بنفسه، فيقتضي ذلك جرأته وشجاعته، ويقتضي نباهته وقوة عقله؛ لأنه يخادعه الذئب وغيره من الحيوانات المفترسة عن غنمه، فراعي الغنم لا بد أن يكون نبيهاً ولا بد أن يكون صاحب فطنة وذكاء لكيد الأعداء. وكذلك فإنها رياضة بدنية وروحية لما فيها من الخلوة والحركة الدائمة، ومثل هذا ما يتعلق بالتجارة والزراعة وغير ذلك. فموسى عليه السلام رعى الغنم أيضاً كما صرح بذلك في سورة القصص، والنبي صلى الله عليه وسلم خرج بتجارة خديجة إلى الشام، وكذلك في الزراعة شارك في غرس النخل الذي كان سلمان كاتب عليها مواليه؛ وكذلك في البناء، فقد شارك في بناء المسجد وفي حفر الخندق وحتى بناء بيوت الناس فقد كان يشارك فيها، كما صح في صحيح البخاري أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه انتزع ميزاباً للعباس بن عبد المطلب كان في داره يصب في المسجد، فلما انتزعه، قال العباس: والله لقد وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، فبكى عمر بكاءً شديداً ثم أقسم على العباس أن يركب ظهر عمر حتى يعيد الميزاب إلى مكانه، وعمر خليفة إذ ذاك، فركب العباس مع ضخامة العباس وجسامته، حتى أعاد الميزاب إلى مكانه. ونظير هذا من الأعمال كخياطة ثياب ونحوها، كل ذلك من الأعمال التي لا تزري بدين ولا مروءة ولا تنفر، فيحل أن يشتغل بها. لكن يحرم في حق النبي ما يكون منفراً أو مقتضياً لعدم الاستجابة لدعوته، ومن هذا أخذ العلماء أن على من يدعو إلى الله سبحانه وتعالى، ويسلك طريق الأنبياء؛ أن يتزين للناس حتى لا ينفرهم بنفسه. وما يطلب من الزهادة والتقشف في أمور الدنيا لا يطالب به الذين يدعون إلى الله ويخالطون الناس لهدايتهم؛ لأن ذلك ربما نفر كثيراً من الناس فلم يصلوا إلى تأثير في مستويات معينة من المجتمع، لكن ينبغي أن يكون ذلك في أيديهم وأن لا يكون في قلوبهم، وأن لا يغتروا بزخارف هذه الدنيا وما فيها، فليسوا أكرم على الله ممن سواهم، ولا ينبغي لهم أن يأمنوا مكر الله فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ [الأعراف:99]؛ لذلك ذكر أهل العلم في اللباس أنه يندب فيه للعلماء والدعاة وخطباء المساجد تحسينه، وأن يكون من أرقى الأنواع وأثمنها، ليؤثروا بذلك في قلوب من لا يعتبرون إلا بمثل هؤلاء الذين ينظرون إلى المظاهر ويعنون بها.

4 - السؤال: لماذا ذكر الله أنه ما أرسل رسولاً إلا من أهل القرى؟

الجواب: أما كون الأنبياء جميعاً من سكان القرى كما أخبر الله بذلك في كتابه، فإن ذلك مقتض منهم لحصول الرفعة، وأهل البوادي دائماً أشد عنجهية وأسوأ أخلاقاً، وأقل نظافةً ممن سواهم؛ ولذلك قال الله تعالى في كتابه: الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ [التوبة:97]، وليس التحضر نسباً، حتى يقال: فلان بدوي، معناه: أن أباه كان كذلك، بل المقصود هو في نفسه، فلو سكن شخص من أهل البادية في الحاضرة، فإنه ليس من الأعراب ولا يدخل في ذلك؛ بل المقصود به من يتصف بهذه الصفة بنفسه لا بنسبه. الرسل عليهم الصلاة والسلام يراد بهم أن يسوسوا البشرية وأن يقودوها، فلا بد أن يعرفوا طرق تدبير المعاش، وهذه لا يعرفها أهل البوادي، ولا يعتنون بها، فأهل البوادي إنما يعيشون من الصيد -مثلاً- أو اتباع البهائم، ويعيشون مع الأحلام والأوهام كثيراً، وقد أخرج أحمد في المسند أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من طلب الصيد غفل، ومن بدا جفا)، ومعناه: من سكن البادية غلظ طبعه، (ومن طلب الصيد غفل)، أي: نقص عقله بقدر ذلك؛ فلهذا اختير الرسل من أهل القرى.

5 - السؤال: هل يدل قوله تعالى: وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً [الرعد:38] على تعدد زوجات الأنبياء؟

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير