تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[محمد الأمين]ــــــــ[31 - 03 - 03, 10:15 ص]ـ

تفضيل الصديقة عائشة على أبيها الصديق أبي بكر

أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه إلى جيش ذات السلاسل قال فأتيته فقلت أي الناس أحب إليك فقال عائشة. قلت من الرجال؟ قال أبوها. قلت ثم من؟ قال عمر فعَدَّ رجالاً. وقد رُوي هذا الحديث من طريق أنسٍ كذلك.

وقد قال الله –عز وجل– عنه –عليه السلام–: {وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى}. فصح أن كلامه –عليه السلام– أنها أحب الناس إليه، وَحيٌ أوحاه الله تعالى إليه ليكون كذلك ويُخبِرَ بذلك، لا عن هوىً له. ومن ظنّ ذلك، فقد كَذَّبَ الله تعالى. لكن لاستحقاقها لذلك الفضل في الدِّينِ والتقدم فيه على جميع الناس الموجبِ لأن يحبها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أكثر من محبته لجميع الناس، فقد فَضَّلَها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) على أبيها وعلى عمر وعلي وعلى فاطمة تفضيلاً ظاهراً بلا شك. أقول: والعجب ممن يستدل بهذا الحديث على فضل أبي بكر على غيره، ويأبى بشدة أن يكون فيه تفضيل لأمنا عائشة رغم صراحته.

قال الإمام ابن حزم: «وقد نصَّ النبي (صلى الله عليه وسلم) على ما يُنكحُ له من النساء، فذَكَر الحسَب والمال والجَّمال والدِّين. ونهي (صلى الله عليه وسلم) عن كل ذلك بقوله "فعليك بذات الدين تَرِبَتْ يَداك". فمن المُحالِ الممتنع أن يكون يحضّ على نكاح النساء واختيارهنّ للدِّين فقط، ثم يكون هو –عليه السلام– يخالِفُ ذلك، فيُحِبَّ عائشة لغير الدِّين. وكذلك قوله –عليه السلام– "فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام" لا يحِلُّ لمُسلمٍ أن يظنّ في ذلك شيئاً غير الفضل عند الله تعالى في الدِّين. فوصف الرجل امرأته للرجال، لا يرض به إلا خسيسٌ نذلٌ ساقطٌ. ولا يحِلُّ لمن له أدنى مِسكةٌ من عقلٍ أن يمرَّ هذا بباله عن فاضلٍ من الناس. فكيف عن المقدس المطهر البائن فضله على جميع الناس صلى الله عليه وسلم؟».

ثم إن محبة رسول الله (ص) لإنسانٍ فضيلة عظيمة له بإجماع السنة والشيعة. وذلك كقوله –عليه السلام– لعلي: "لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله". قال ابن حزم: «فإذا كانت عائشة أتمّ حظاً في المحبة التي هي أتم فضيلة، فهي أفضل ممن حظه في ذلك أقل من حظها. ولذلك لما قيل له –عليه السلام– "مِنَ الرجال؟ "، قال "أبوها ثم عمر". فكان ذلك موجباً لفضل أبي بكر ثم عمر في الفضل من أجل تقدمهما في المحبة عليهما. وما نعلم نَصّاً في وجوب القول بتقديم أبي بكر ثم عمر على سائر الصحابة إلا هذا الخبر».

قال أبو محمد: «وهذه مسألةٌ نقطع فيها على أننا المحقّقون عند الله –عز وجل–، وأن من خالَفَنا فيها مخطئٌ عند الله –عز وجل– بلا شك. وليست مما يَسَعُ الشكّ فيه أصلاً. فإن قال قائلٌ: هل قال هذا أحدٌ قبلكم؟ قلنا له –وبالله تعالى التوفيق–: وهل قال غير هذا أحدٌ من قبل يخالفنا الآن؟! وقد علِمنا ضرورةً أن لنساء النبي (صلى الله عليه وسلم) منزلة من الفضل بلا شك، فلا بد من البحث عنها. فليقل مخالفنا في أي منزلةٍ نضعهنّ: أبَعْدَ جميع الصحابة كلهم؟ فهذا ما لا يقوله أحد. أم بعد طائفةٍ منهم؟ فعليه الدليل، وهذا ما لا سبيل له إلى وجوده. وإذ قد بطل هذان القولان: أحدهما بالإجماع على أنه باطل، والثاني لأنه دعوى لا دليل عليها ولا برهان. فلم يبقَ إلا قولنا والحمد لله رب العالمين الموفق للصواب بفضله.

ثم نقول –وبالله تعالى نستعين–: قد صَحَّ أن أبا بكر الصديق (رضي الله عنه) خطَبَ الناس حين ولّي بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أيها الناس، إني ولّيت عليكم ولست بخيركم" (أخرجه ابن إسحاق بإسنادٍ صحيح كما في سيرة ابن هشام 6\ 82). فقد صّحَ عنه (رضي الله عنه) أنه أعلن بحضرة جميع الصحابة (رضي الله عنهم) أنه ليس بخيرهم. ولم ينكر هذا القول منهم أحد. فدلَّ على متابعتهم له. ولا خلاف أنه ليس في أحد من الحاضرين لخطبته إنسانٌ يقول فيه أحدٌ من الناس أنه خيرٌ من أبي بكر إلا علي وابن مسعود وعمرو. أما جمهور الحاضرين من مخالفينا في هذه المسألة –من أهل السنة والمرجئة والمعتزلة والخوارج– فإنهم لا يختلفون في أن أبا بكر أفضل من علي وعمر وابن مسعود وخيرٌ منهم. فصحّ أنه لم يبق إلا أزواج النبي (صلى الله عليه وسلم). فإن قال قائل: إنما قال أبو بكر هذا تواضعاًّ!! قلنا له: هذا هو الباطل المتيقن، لأن الصديق الذي سماه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بهذا الاسم لا يجوز أن يكذب، وحاشا له من ذلك، ولا يقول إلا الحق والصدق. فصحّ أن الصحابة متفقون في الأغلب على تصديقه في ذلك. فإذ ذلك كذلك، وسقط بالبرهان الواضح أن يكون أحد من الصحابة (رضي الله عنهم) خيراً من أبي بكر، لم يبق إلا أزواج النبي (صلى الله عليه وسلم). ووضُحَ أننا لو قلنا أنه إجماعٌ من جمهور الصحابة، لم يبعُد من الصدق».

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير