تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لو كان المقصود جواز كشف الوجه والكف، لكان اكتفى بهما، دون ذكر ما عليهما من زينة بالتخصيص؛ إذ لا فائدة ترجى من ظهور المرأة بها أمام رجل أجنبي سوى الإثارة .. وهل كان ابن عباس مجيزا للمرأة أن تفتن الرجال بمثل هذه الزينة، بل هل يظن مثل ذلك بالآية القرآنية؟.

وهل القصد من الكشف، بحسب قول من أجاز الكشف: الإثارة، أم التسهيل والتيسير على المرأة؟.

ولم مثل هذا الاختصاص بهذه الزينة في بيتها؟.

إن المنطق يقول: لو أذن بذلك في بيتها للأجنبي، لم يكن ثمة فرق بين هذا وإذنه لها بذلك خارج بيتها، فما أجاز أن تبديه للأجنبي في بيتها، فأحرى أن يجيزه لها خارجا.

هذا وابن عباس لا يخفى عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تدخلوا على النساء بيوتهن)، فكيف يغفل عن هذا ويبيح لها أن تقابل هذا الأجنبي في بيتها بزينة في وجهها ويديها؟!!.

لكل هذه المشكلات والمحذورات، لم يكن بد من حمل قوله: "من الناس .. " على محارمها.

الثاني: أن ابن عباس نفسه قد فسر آية الجلباب، بما يفيد وجوب تغطية الوجه على جميع النساء، تفسيرا صريحا، مرويا عنه بالسند نفسه الذي روي به عنه الأثر الآنف، في دخول الناس عليها بيتها، فلو أخذنا بالظاهر فهو التناقض؛ إذ مرة يجيز الكشف، ومرة يمنع!! .. لكن لو فهمنا كلامه بجمع بعضه إلى بعض – كما تقدم آنفا - استقام، وطلب استقامة الدليل، وتآلف القول مع إمكانه، أولى من طلب تناقضه.

وأمر ثالث ذكره بعضهم كابن تيمية: أن الأمر في أوله كان على جواز كشف الوجه واليدين، وحينئذ نزلت آية الزينة، فلما نزلت آية الجلباب والحجاب، جاء حكم جديد بتغطية ذلك كله.

فإذا كان أثر ابن عباس له تفسير يتوافق مع القول بالتغطية، تفسيرا لا يخرج عن الأصول، ليس فيه تحريف ولا تأويل باطل، فلا يمنع أن يكون كذلك تفسير عائشة وابن عمر لآية الزينة، له توجيه وحمل يتوافق مع النصوص الموجبة للتغطية؛ أقربه: أنه كان بحسب الحكم وقت نزول الآية، كان الأمر على جواز الكشف، ثم نزلت آيتي الجلباب والحجاب بحكم جديد.

وآية ذلك: أننا لم نقف على رد لعائشة رضي الله عنها على ابن مسعود وابن عباس في أمر يخص النساء، وهي منهن. مع أن عادتها كان التعقب والرد.

أخيرا: يمكن أن يرد هنا كذلك: أن الإيجاب على أمهات المؤمنين، والاستحباب على نساء المؤمنين. وأنهم على ذلك اتفقوا، ويدل عليه قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعد خيبر عن صفية بنت حيي رضي الله عنها لما صارت إلى النبي صلى الهن عليه وسلم: "إن حجبها فهي من أزواجه".

ويجاب عن هذا: أنه بالنظر إلى تفسير ابن عباس لآية الجلباب والزينة، لا نجده يفرق بين حجاب الأمهات والنساء، بل قوله في آية الجلباب أصرح في العموم؛ إذ ذكرت جميع الأصناف، قال تعالى: {يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن}، فجاء ابن عباس فذكر تفسيرها، ولم يستثن أمهات المؤمنين بحكم خاص، فلو كان هذا مشهورا لديهم لذكره.

كذلك ابن مسعود في آية الزينة، ذكر جواز إبداء الثياب؛ أي العباءة، وجعلها من الزينة الظاهرة، ولم يجعل هذا الحكم خاصا بالأمهات، ولم يرد عنه شيء يفهم التفريق بين حجاب الأمهات والمؤمنات.

فأما قول عمر في صفية، فذلك يثبت الفرق بين الأمة والحرة في الحجاب، كما قررتها آية الجلباب: {ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين}؛ أي يعرفن أنهن حرائر فلا يتعرض لهن الفساق، ولا يعني ذلك جواز التعرض للإماء، لكن هؤلاء الفساق كانوا يعللون تحرشهم بالنساء، أنهم ظنوا بأنهن إماء، فجاء الأمر بتمييز الحرائر بحجاب الوجه، لإبطال هذا التعلل، لا تجويز التعرض للإماء. فكأنك قلت: هذا عذركم وقد أبطلناه بهذا التمييز، فكفوا عنهن. ولا يلزم من هذا الإذن بالتعرض للإماء؛ إذ يندرج تحت النصوص العامة، الآمرة بغض البصر، وحفظ الفرج.

فأثر عمر يبين أن الحرة تحتجب بالتغطية، أما الأمة فلها حجاب البدن دون الوجه، وعلى هذا الآثار وتفسيرات العلماء لآيات الجلباب والحجاب، .. وصفية أم المؤمنين اصطفاها النبي صلى الله عليه وسلم فجعلها في نسائه، وبه صارت حرة، وعليها الحجاب حينئذ، ولو أنه لم يفعل لكانت باقية أمة، لا يجب عليها حجاب الوجه. والله أعلم.

ـ[أبو يوسف التواب]ــــــــ[31 - 01 - 08, 03:53 ص]ـ

جزى الله الشيخ خير الجزاء

ونفع بما تكتبون

ـ[الجعفري]ــــــــ[31 - 01 - 08, 07:02 ص]ـ

جزاك الله خيراً.

ووفقنا الله وإياك للخير.

كلام جيد ورصين ويستفاد منه.

ـ[عيسى بنتفريت]ــــــــ[31 - 01 - 08, 10:32 ص]ـ

بارك الله فيك وجزاك خيرا ...

وتقبل الله منا ومنك صالح الإعمال ...

ـ[أبو يوسف التواب]ــــــــ[31 - 01 - 08, 02:19 م]ـ

الشيخ الدكتور/ لطف الله جزاه الله خيراً له كتاب في الموضوع .. نفع الله به.

ـ[أبوبدر ناصر]ــــــــ[31 - 01 - 08, 02:35 م]ـ

بارك الله في الشيخ لطف الله خوجة.

لدي سؤال ما هو توجيهك لحديث المرأة الخثعمية و لحديث سفعاء الخدين

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير