تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[أملك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك]

ـ[مبلغ]ــــــــ[25 - 01 - 03, 04:27 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

أما بعد:

فيا أيها الناس، إن شريعة الإسلام شريعةٌ غراء، سِمَتُها الجُلَّى أن يعبد الله وحده في الأرض ولا يشرك به، مُتْبعةً بقواعد فرضها رب البرية، هي خيرٌ كلها، ونورٌ كلها، وسلامٌ كلها، وفرحٌ كلها،: إِنَّ الدّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا أخْتَلَفَ ألَّذِينَ أُوتُواْ ألْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ [آل عمران:19]، وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِى الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران:85].

الدين الإسلامي ـ عباد الله ـ هو شريعة الله العادلة للعالم أجمع، وما إرساله لخاتم رسله إلا للناس كافةً بشيراً ونذيراً، من أجل أن يدخل الناس في دين الله وصبغته،: صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةًَ [البقرة:138].

الدين الإسلامي ـ عباد الله ـ هو شريعةٌ مبناها على الاتباع لا الابتداع، وعلى الاقتداء والتأسي لا على النكوص والتنسِّي، ودين المرء لن يكون ديناً حقاً إلا إذا كان الخضوع فيه للحق سبحانه دون سواه.

وإن خير هدي ينتهجه الناهجون هو هدي رسوله، وهيهات هيهات أن يأتي الناس في أعقاب الزمن بأهدى منهما حتى يلج الجمل في سمّ الخياط،: وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً [النساء:82]، قُلْ فَأْتُواْ بِكِتَابٍ مّنْ عِندِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ [القصص:49].

إنه في أعقاب الزمن ـ عباد الله ـ، و وسط عصور الانتقال تتعدد مسالك الحياة، وتتزاحم تداعياتها، هبوطاً وصعوداً، بمدى قرب الناس من دينهم أو بعدهم عنه، ومكان رسالة خاتم النبيين بين ذلك كله أنها دعوة كمال وعدل، فكلما تردد الإنسان عبر هذه العصور التي تُسمى عصور الانفتاح بين طريقين اثنين، أو حارت نفسه في اختيار أحد مسلكين، فإن السنة تدعوه ـ ولا شك ـ إلى خيرهما، وإذا تردد العقل في خضم هذه النوازل المدلهمّة بين الحق والباطل، والزَّين والشَّين، دعته السنة إلى الحق والزَّين؛ لأن الحق أبلج، والباطل لجلج.

وبهذا يُعلم أن دعوة السنة وسط هذه الزوابع إنما تكون لأصعب الطريقين، وأشق الأمرين بالنسبة لأهواء البشر، المحاطة بعالم أصبح عبر وسائله المختلفة كالكتلة الواحدة، ولا غرو في ذلك فإن النار حُفَّت بالشهوات، والجنة حُفَّت بالمكاره.

ويبدو ذلك بوضوح في أن الانحدار مع الهوى سهل يسير، ولكن الصعود إلى العلو من الصعوبة والمشقة بمكان، ألا ترون ـ حماكم الله ـ أن الماء ينزل وحده حتى يستقرَّ في عمق الوادي، ولكنه لا يصعد إلى العلو إلا بالجهد والمضخّات.

أيها المسلمون، إن البعد عن زمن النبوة مظنة ـ ولا شك ـ[للبعد] عن تعاليمها وآدابها، فرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم) ويقول أيضاً: ((إنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً) ويقول أيضاً: ((لا يأتي على الناس زمان إلا والذي بعده شر منه، حتى تلقوا ربكم)).

ولأجل هذا ـ عباد الله ـ فإن الثوابت الشرعية من توحيد الله، والإيمان به، والدعوة إليه، والحب والبغض فيه، قد يذوي أكثرها أو بعضها مع مرور الزمن، وغلبة الأهواء، وشيوع الهزل، حتى إنها لتحتاج إلى من يردّ لها الحياة بعدما اعتراها ما اعتراها من ذبول، إذ لدينا كتاب الله لا تخلق جلدته، ولا تفنى ثروته، ولدينا نور نبوة مُلهمَ السيرة، نقيَّ السنن.

وإذا كان الأمر كذلك، فكيف تعمى النفس المؤمنة مع هذا الإشعاع؟! بل كيف يستوحش المرء في هذا العالم الموّار، ومصدر الأمن والطمأنينة فوق ظهره محمول؟! شريطة أن لا يغفل عن قوله سبحانه: الَّذِينَ ءامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأمْنُ وَهُمْ مُّهْتَدُونَ [الأنعام:82].

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير