تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فأئمة الحق هم المتعبون لكتاب ربهم سبحانه وتعالى المقتفون سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم المتمسكون بآثار سلفهم الذين أمروا بالاقتداء بهم.

وعلومهم التي صاروا بمعرفتها وجمعها والتقدم فيها أئمة / لغيرهم القرآن ومعرفة (قراءاته) وناسخة ومنسوخة وأحكامه و فيمن نزل والعلم بمحكمه ومتشابهه والأخذ بالآيات المحكمات منه والإيمان بالمتشابه.

ثم الحديث وتبيين صحيحه من سقيمه وناسخه من منسوخه ومتواتره من آحاده ومشهوره من غريبه وما تلقته الأمة منه بالقبول وما تركوا العمل به وما يجب اعتقاد ما فيه ومعرفة علله وأحوال رواته.آهـ

ثم الفقه الذي مدار الشريعة على ضبطه وهو مستنبط من الكتاب والحديث وطلبه فرض وأحكام أصوله التي شرحها متقدموا الفقهاء دون ما أحدثه المتكلمون منها ومزجوه ببدعهم ورضي به بعض المتأخرين.

وما يستقيم لكم تحصيل هذه العلوم إلا بأن يشرع في أخذ لغة العرب قبل ذلك ليعلم معنى ما يرد عليه (في) القرآن والحديث والفقه.

ولا بد له من تعلم شيء من النحو الذي به يوزن كلام العرب ويعرف صحيحه من فاسده. فإذا تقدم واحد في هذه العلوم وكان أخذه إياها ممن علم تقدمه فيها وكونه متبعاً (للسلف) مجانباً للبدع حكم بإمامته واستحق أن يؤخذ عنه ويرجع إليه ويعتمد عليه.

ثم يلزمه في الأداء التحفظ من الزلل والتحرز من الإحداث والتوقي عن مجاوزة ما أحاط به علمه وقبول ما يتجه له من الصواب وإن أتاه ذلك ممن هو دونه والتواضع لله سبحانه الذي من عليه بما علمه والرفق واللين لم يتعلم منه والجري على طريقة من تقدم من العلماء في التورع والتخوف من العثرة والعلم بأنه ليس بمعصوم وأن الذي صار إليه من العلم يسير (وإن حرمه خلق الله الكثير).

واللذين كانوا على هذا المنهاج بعد الصحابة الذين فازوا بالسبق والسؤدد وظفروا بالحظ الأوفر من كل خير واشتركوا في الإمامة والعدالة وكان بينهم تفاضل وتقارب رضي الله عنهم هم التابعون لهم بإحسان وهم خلق كثير لم يخالفوا طريقة الصحابة ولم يحدثوا في الدين حدثاً.

فبالمدينة من أعلامهم سعيد بن المسيب بن حزن المخزومي والقاسم بن محمد بن أبي بكر وسالم بن عبد الله بن عمر وعروة بن الزبير بن العوام وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة وخارجة بن زيد بن ثابت وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف وسليمان بن يسار وقبيصة بن ذؤيب وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج هـ.

وبمكة: طاووس بن كيسان الصنعاني وعطاء بن أبي رباح وعبيد بن عمير ومجاهد بن جبر.

وبالعراق الحسن ومحمد بن سيرين ومطرف بن عبد الله الشخير وجابر بن زيد أبو الشعثاء وعامر بن (شراحيل) الشعبي وعلقمة بن قيس والأسود بن يزيد.

وبالشام جنادة بن أبي أمية ورجاء بن حيوة وعبد الله بن محيريز وحسان بن عطية.

وفي كل ناحية قوم مشهورون.

ثم من بعدهم من تأخر عنهم ولحق متأخري الصحابة موتاً وأخذوا عن كبار التابعين بعدهم.

كالزهري بالمدينة وعمرو بن دينار بمكة.

وإبراهيم بن يزيد النخعي بالكوفة وأيوب السختياني بالبصرة ومكحول بالشام خير بن نعيم بمصر ومعاوية بن صالح بالأندلس.

وفي وقتهم دبت البدع وقرف آخرون بشيء منها ولم يصح ذلك ثم عمر الله البلاد بالفقه والحديث فظهر بالمدينة مالك بن أنس وابن أبي ذئب وبمكة ابن جريج وسفيان بن عيينة.

وبالشام أبو عمرو الأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز.

وبمصر الليث بن سعد وعمرو بن الحارث

وبالكوفة سفيان بن سعيد الثوري وبالبصرة حماد بن زيد بن درهم الأزدي وبخراسان عبد الله بن المبارك.

وكانوا أئمة في العلم مشاهير بالإتباع والأخذ عن أمثالهم وكان في وقتهم علماء لهم تقدم في علوم، وأتباع على مذهبهم لكنهم وقعوا في شيء من البدع إما القدر وإما التشيع أو الإرجاء عرفوا بذلك فانحطت منزلتهم عند أهل الحق

وظهر بعد ذلك: أبو عبد الله بن إدريس الشافعي رحمة الله عليه وأصحاب أبي حنيفة وأصحاب مالك وكثرت العصبية واضطربت الأمور وصعب على ناس كثير ظهور مذهب الشافعي لقيامه بالفقه والحديث واللغة وشرفه في النسب وكونه مقبولاً عند المتبعين من أهل عصره.

ثم ظهر الكلام وأهله وانتشرت كتب الفلاسفة وأهل الزيغ في أيدي الناس وكثرت المذاهب في الأصول.

فأيد الله سبحانه بمنه أبا عبد الله أحمد بن حنبل الشيباني رحمه الله حتى قام بإظهار المنهاج الأول وكان جامعاً قد تقدم في الفقه فنظر في مذهب أبي حنيفة وسفيان أولاً ثم نظر في مذهب مالك ثم نظر في مذهب الشافعي واختار لنفسه ما وجده في الحديث وكان في معرفته مبرزاً وكان شديد الورع ومتمسكاً بآثار السلف ومتمكناً من العقل والحلم فنشر ما كان عليه السلف وثبت في المحنة ولم يأت من عنده بشيء ولم يعول إلا على السنن الثابتة.

وإنما عرف المذهب به لتفرده بالقيام في وقته وسكوت أترابه عن ذلك إما لخوف البعض أو عرفان من آخرين (بأنه) أولاهم بما قام به لتقدمه عليهم في خصال الخير.

واليوم فمن عرف منه لزوم المنهاج وظهر تقدمه في العلوم التي ذكرناها فهو إمام مقتدى به.

ومن زاغ عن الطريقة وفاوض أهل البدع والكلام وجانب الحديث وأهله استحق الهجران والترك وإن كان متقدماً في تلك العلوم.

بارك الله فيك ونفع بك

هذا هو الكلام الرزين المتين المبني على منهج وطريقة المتقدمين في السنة والأثر

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير