فجعل الصلاة بعد الوقت لغير عذر، كالصلاة قبل الوقت، وقال في كل منهما: (إنه ليس بفرض) – يريد: أنها تقع نفلاً في الحالين.
وقال البربهاري: الصلوات لا يقبل الله منها شيئاً إلا أن تكون لوقتها، إلا أن يكون نسياناً؛ فإنه معذور، يأتي بها إذا ذكرها، فيجمع بين الصلاتين إن شاء.
وقد نص الإمام أحمد في رواية ابنه عبد الله: على أن المصلي لغير الوقت كالتارك للصلاة في استتابته وقتله، فكيف يؤمر بفعل صلاة حكمها حكم ترك الصلاة.
وروي عن طائفة من السلف، منهم: الحسن.
وحكى الخلاف في ذلك: إسحاق بن راهويه ومحمد بن نصر المروزي.
قال محمد بن نصر في (كتاب الصلاة): إذا ترك الرجل صلاة مكتوبة متعمداً حتى ذهب وقتها فعليه قضاؤها، لا نعلم في ذلك خلافاً، إلا ما روي عن الحسن، فمن أكفره بتركها استتابه، وجعل توبته وقضاءها رجوعاً منه إلى الإسلام، ومن لم يكفر تاركها ألزمه المعصية، وأوجب عليه قضاءها.
وكان إسحاق يكفر بترك الصلاة، ويرى عليه القضاء إذا تاب، وقال: أخبرني عبد العزيز بن أبي رزمة، عن ابن المبارك، أنه سأله رجل عن رجل ترك صلاة أياماً، ثم ندم؟ قال: ليقض ما ترك من الصلاة. قال: ثم أقبل ابن المبارك علي، فقال: هذا لا يستقيم على الحديث.
قال إسحاق: يقول: القياس على الأصل أن لا يقضي، وريما بنى على الأصل، ثم يوجد في ذلك الشيء بعينه خلاف البناء، فمن هاهنا خاف ابن المبارك أن يقيس تارك الصلاة في الإعادة على ما جاء أنه قد كفر، فيجعله كالمشرك، ورأى أحكام المرتدين على غير أحكام الكفار، رأى قوم أن يورثوا المسلمين من ميرات المرتد، فأخذنا بالاحتياط، فرأى القضاء على تارك الصلاة عمداً، وكان يكفره إذا تركها عمداً حتى يذهب وقتها.
قال إسحاق: وأكثر اهل العلم على إعادة الصلاة إذا تاب من تركها، والاحتياط في ذلك، فأمامن مال إلى ما قال الحسن: إذا ترك صلاة متعمداً لا يقضيها، فهو كما قال ابن المبارك: الإعادة لا تستقيم على الحديث، ثم ترك القياس في ذلك، فاحتاط في القضاء.
قال إسحاق: ولقد قال بعض أهل العلم: إذا ارتد عن الإسلام، ثم أسلم أعاد كل صلاة تركها في ردته، وحجته: أن ارتداده معصية، ومن كان في معصية لم يجعل له من الرخصة شيء كالباغي وقاطع الطريق.
قلت: قد اعترف ابن المبارك وإسحاق بأن القياس أن تارك الصلاة إذا حكمنا بكفره أنه يكون مرتداً، ولا قضاء عليه، وإنما أوجبنا القضاء على المرتد احتياطاً.
وفي وجوب القضاء على المرتد لما فاته في مدة الردة قولان مشهوران للعلماء، هما روايتان عن أحمد.
ومذهب الشافعي وغيره: الوجوب.
وهذا الكلام من ابن المبارك وإسحاق يدل على أن من كفر تارك الصلاة عمداً كفره بذلك بمجرد خروج وقت الصلاة عليه، ولم يعتبر أن يستتاب، ولا أن يدعى إليها، وهو ظاهر كلام الإمام أحمد وغيره من الأئمة –أيضا-، وعليه يدل كلام المتقدمين من أصحابنا كالخرقي، وأبي بكر، وابن أبي موسى.
ثم قال محمد بن نصر: فأماالمروي عن الحسن، فإن إسحاق ثنا، قال: ثنا النضر، عن الاشعث، عن الحسن، قال: إذا ترك الرجل صلاة واحدة متعمداً، فإنه لا يقضيها.
قال محمد بن نصر: قول الحسن هذا يحتمل معنيين:
أحدهما: أنه كان يكفره بترك الصلاة متعمداً، فلذلك لم ير عليه القضاء؛ لأن الكافر لا يؤمر بقضاء ما ترك من الفرائض في كفره.
والمعنى الثاني: أنه إن لم يكن يكفره بتركها، فإنه ذهب إلى أن الله عز وجل إنما افترض عليه أن يأتي بالصلاة في وقت معلوم، فإذا تركها حتى يذهب وقتها فقد لزمته المعصية؛ لتركه الفرض في الوقت المأمور بإتيانه به فيه، فإذا أتى به بعد ذلك، فقد أتى به في وقت لم يؤمر بإتيانه به فيه، فلا ينفعه أن يأتي بغير المأمور به، عن المأمور به.
قال: وهذا قول غير مستنكر في النظر، لولا أن العلماء قد اجتمعت على خلافه.
قال: ومن ذهب إلى هذا، قال في الناسي للصلاة حتى يذهب وقتها، وفي النائم – أيضا-: إنه لو لم يأتي الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها)، لما وجب عليه في النظر قضاؤها- أيضا.
انتهى ما ذكره ملخصاً.
وقد اعترف بأن القياس يقتضي أنه لا يجب القضاء على من تركها متعمداً، فإنه إن كان كافراً بالترك متعمداً، فالقياس أن لا قضاء على الكافر، وإن كان مرتداً.
¥