ما رأيكم: حول صيغة السلام على النبي في التشهّد
ـ[وهج البراهين]ــــــــ[25 - 01 - 03, 11:27 م]ـ
الاختلاف في صيغة السلام على النبي صلى الله عليه وسلم
في التشهد الأول
الشريف حاتم بن عارف العوني
السؤال:
ورد في التشهد الأول كلام لبعض العلماء اختلاف في عبارة (السلام عليك أيها النبي) حيث قيل إن ذلك كان في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- أما بعد موته فنقول السلام على النبي، فأيهما أصح؟
الجواب:
لا شك أن ألفاظ التشهد توقيفيّة، ليست اجتهادية. هذا هو الصحيح. كما ثبت من حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- في صحيح البخاري رقم (6265)، وصحيح مسلم (1/ 32 رقم 402)، ومن حديث ابن العباس -رضي الله عنهما- (في صحيح مسلم رقم 403) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم التشهّد كما يعلمهم السورة من القرآن.
ولذلك كان يقول الأسود بن يزيد وهو من جلّة التابعين من أصحاب ابن مسعود –رضي الله عنه-: (كان عبدالله (يعني ابن مسعود) يعلمنا التشهد في الصلاة، فيأخذ علينا الألف والواو). أخرجه البزار في مسنده رقم (1629)، بإسناد صحيح.
ومع ذلك فقد ثبتت صيغ متعددة للتشهد في الصلاة، وهي صيغ مع اختلافها إلا أنها متقاربة المقاطع والألفاظ. أشهرها ما رواه ابن مسعود –رضي الله عنه- عن النبي –صلى الله عليه وسلم-، ثم ما رواه ابن عباس –رضي الله عنهما-، وما رواه عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
وتوجيه هذا الاختلاف أن يقال: إنها جميعاً مما علمه النبي –صلى الله عليه وسلم- أصحابه، أو سمعهم يدعون به أو عرضوه عليه فأقرهم عليه، وأنه لا يصح التشهد بغير هذه الألفاظ التي علّمها أو أقرّها –صلى الله عليه وسلم-.
بعد هذا نقول: إنه قد صح عن ابن مسعود –رضي الله عنه- أنه قال: علمني رسول الله –صلى الله عليه وسلم- التشهّد، كفّي بين كفّيه، كما يعلمني السورة من القرآن، قال: (التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله). وهو بين ظهرانينا، فلما قبض قلنا: السلام على النبي.
أخرجه الإمام أحمد –واللفظ له- رقم: (3935)، والبخاري رقم: (6265)، ومسلم –مختصراً- (1/ 302 رقم 402)، وغيرهم.
وظاهر هذا اللفظ أن الصحابة كانوا يذكرون التشهد في حياة النبي –صلى الله عليه وسلم- بلفظ: (السلام عليك أيها النبي)، على هيئة الخطاب. وأنهم بعد وفاة النبي –صلى الله عليه وسلم- تركوا ذلك إلى أسلوب الغيبة: (السلام على النبي) ولا يمكن أن يكون هذا التفريق منهم إلا بتوقيف من النبي –صلى الله عليه وسلم- لهم به، خاصة من مثل ابن مسعود -رضي الله عنه- في علمه، وفي تشدده في أمر التشهد (كما سبق عنه).
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (2/ 366): (قال السبكي في شرح المنهاج بعد أن ذكر هذه الرواية عند أبي عوانة وحده: إن صح هذا عن الصحابة دل على أن الخطاب في السلام بعد النبي –صلى الله عليه وسلم- غير واجب، فيقال: السلام على النبي قلت: قد صح بلا ريب، وقد وجدت له متابعاً قوياً، قال عبدالرزاق: أخبرنا ابن جريج: أخبرني عطاء: أن الصحابة كانوا يقولون والنبي –صلى الله عليه وسلم- حيّ: السلام عليك أيها النبي، فلما مات قالوا: السلام على النبي. وهذا إسناد صحيح.
فظاهر هذين الخبرين أن ترك أسلوب الخطاب بعد النبي –صلى الله عليه وسلم- هو الذي كان عليه عمل الصحابة بعد وفاة النبي –صلى الله عليه وسلم-، ولولا ما يأتي مما يدل على استمرار بعضهم على أسلوب الخطاب، بعد وفاة النبي –صلى الله عليه وسلم- لكان هذا إجماعاً أو كالإجماع على ترك أسلوب الخطاب.
لكن ما ثبت (من وجوه) من تعليم بعض الصحابة التشهّد بعد وفاة النبي –صلى الله عليه وسلم- بأسلوب الخطاب، يدل على مشروعية ذلك وصحته، وعلى عدم وقوع الإجماع على تركه، وأجلّ ما ثبت من ذلك: ما أخرجه الإمام مالك في الموطأ رقم: (240) من طريق عبدالرحمن بن عبد القارئ أنه سمع عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- وهو على المنبر، يعلّم الناس التشهد، ويقول: قولوا: التحيات لله، الزاكيات لله، الطيبات والصلوات لله. السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
وبناء على ذلك: فإن كلا اللفظين صحيح مشروع بعد وفاة النبي –صلى الله عليه وسلم-
ويبقى أن أسلوب الغيبة بعد وفاة النبي –صلى الله عليه وسلم- أولى أن يعلّمه الناس في التشهد، لقوة دليله، ولكونه مما تفهمه عقول العامة، ولا يوهم الجهال مشروعية دعاء النبي –صلى الله عليه وسلم- خاصة مع غربة التوحيد وأهله في كثير من أقطار الأرض، والله أعلم.