[شرح حديث (لا يحل دم امرىء مسلم إلا بإحدى ثلاث)]
ـ[أيمن التونسي المديني]ــــــــ[11 - 02 - 08, 10:51 م]ـ
[شرح حديث (لا يحل دم امرىء مسلم إلا بإحدى ثلاث)]
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل دم امرىء مسلم إلا بإحدى ثلاث الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة) متفق عليه.
هذا حديث عظيم في بيان حرمة دم المسلم وعصمة نفسه والحالات التي يباح فيها قتله. وفيه مسائل: الأولى: في الحديث دليل على وجوب احترام دم المسلم وعصمته مادام أنه قد أظهر الإسلام فلا يحل لأحد أن يتعرض له مهما فعل من الذنوب أو أخل بالواجبات أو ضيع من الحقوق إلا إذا فعل ما يوجب قتله بسلطان الشرع. والذي يلي قتله الإمام الشرعي أو من ينوب عنه ولا يحل لمن سواهم إقامة هذا الحد باتفاق أهل العلم. وقد ورد في الشرع ذم شديد لمن انتهك حرمة المسلم واستباح دمه وفاعل ذلك مرتكب لكبيرة عظيمة مستحق للوعيد في الآخرة والخزي في الدنيا. قال تعالى: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا).
الثانية: إذا زنى الثيب كان حده الرجم حتى الموت وقد أجمع الفقهاء على ذلك وقد كان الرجم في القرآن ثم نسخ ولفظه: (والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم). وقد رجم النبي صلى الله عليه وسلم ماعزا والغامدية ورجم اليهوديين الذين تحاكما إليه ورجم الخلفاء الراشدون بعده. فالرجم سنة ثابتة وفريضة عادلة لها أثر عظيم في تطهير أعراض المسلمين ونشر الفضيلة في المجتمع فتبا لمن أنكره وازدراه وترفع عن تنفيذه واعتقد أنه من الوحشية أو انتهت مشروعيته في صدر الإسلام. واختلف الفقهاء في جلد من استحق الرجم هل يجمع له بينهما أو يقتصر على الرجم: ذهب الإمام أحمد في المشهور عنه إلى الجمع بينهما أخذا بظاهر حديث عبادة (والثيب بالثيب جلد مئة والرجم) رواه مسلم. وذهب الجمهور إلى الإقتصار على الرجم دون الجلد أخذا بسائر الأحاديث الثابتة التي لم تذكر الجلد وقالوا هي ناسخة لحديث عبادة لأنها متراخية عنه وهذا هو الأقرب لكن إن اجتهد الإمام ورأى المصلحة في الجمع بينهما كان هذا سائغا له.
الثالثة: من قتل مسلما معصوما عمدا بغير حق قتل به قصاصا كما في قوله تعالى: (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ). وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى). ويستثنى من هذا الحكم ثلاث صور:
1. أن يقتل الوالد ولده: فلا يقاد به لما روى الإمام أحمد في مسنده من حديث عمر قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يقاد الوالد بولده). وقد صح عن عمر. ولأن الوالد سبب في وجود الولد فلا يقاد الأصل بفرعه وهو مذهب الجمهور وهو الصحيح.
2. أن يقتل الحر عبدا: فلا يقاد به لما روي في السنة وهو قول أكثر العلماء وأجمعوا على عدم القصاص بين العبد والحر في الأطراف. أما حديث سمرة في ثبوت القود بين العبد والحر ولفظه: (من قتل عبده قتلناه ومن جدعه جدعناه) فهو حديث منكر لا يثبت طعن فيه الإمام أحمد وغيره من الأئمة.
3. أن يقتل مسلم كافرا: فلا يقاد به لحديث علي في صحيح البخاري: (لا يقتل مسلم بكافر). وسواء كان الكافر حربيا أو معاهدا وهو مذهب الجمهور وهو الصحيح.
الرابعة: وفيه أن التارك لدينه المفارق للجماعة يقتل ويستباح دمه والمراد به من ترك دين الإسلام وارتد عنه وفارق جماعة المسلمين. فإن ارتد المسلم عن دينه بقول أو فعل أو اعتقاد ناقض لأصل الدين استتيب فإن تاب ورجع عفي عنه وإن لم يتب أقيم عليه حد الردة وهو القتل ومات على الكفر والعياذ بالله. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من بدل دينه فاقتلوه) رواه البخاري. وحد الردة أمر محكم وحكمه باق إلى يوم القيامة خلافا لمن رده وأنكره وزعم أنه شرع في أحوال خاصة. وقد شرعه الله صيانة للدين وتعظيما لشعائر الله وفرقانا بين الإسلام والكفر والحق والباطل. وهو عام لكل مرتد سواء كان كافرا ثم أسلم ثم ارتد أو ولد مسلما ثم ارتد. وإنكار الردة بالكلية دليل
¥