2 - النصوص الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب لا تدل على الأمر مطلقا فلا يستفاد منها إستحباب إطالة الشعر إنما هي على سبيل الإرشاد والأدب في حال خاصة. فحديث (من كان له شعر فليكرمه) فيه إرشاد من كان له شعر طويل إلى تنظيفه ودهنه وتسريحه والإعتناء به ولا يدل على حث المسلمين على إطالة الشعر لأن الإكرام خاص لمن كان له شعر فغاية ما في هذا النص الحث على النظافة والطهارة وحسن الهيئة لمن أطال شعره فالإكرام سنة لإطالة الشعر. كما أرشد النبي صلى الله عليه وسلم أبا قتادة بذلك روى النسائي في سننه عن أبي قتادة (أنه كان له جمة ضخمة فسأل النبي صلى الله عليه و سلم فأمره أن يحسن إليها وأن يترجل كل يوم). وفي رواية: (قلت: يا رسول الله: إن لي جمة أفأرجلها. قال: نعم أكرمها فكان قتادة ربما دهنها في اليوم مرتين من أجل قوله: أكرمها).
وكذلك الحديث الآخر (احلقه أو اتركه) لا دلالة فيه أيضا لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك في سياق الرد والإنكار على من فعل القزع فأراد أن يبين أن المشروع للمسلم أن يترك شعره كله أو يحلقه كله أما حلق بعضه وترك بعضه فلا يجوز له فعل ذلك لأن فيه تشبه باليهود ولأنه مثلة فلم يرد النبي صلى الله عليه وسلم فيما يظهر بيان حكم إطالة الشعر إبتداء وأنه سنة. بل فيه دليل على عدم مشروعية إطالته لأن النبي صلى الله عليه وسلم خيره بين الحلق والترك ولو كان الترك سنة لما خيره ولكان أرشده إلى الترك.
3 - مما يرجح كونه مباحا حلق النبي صلى الله عليه وسلم شعره في النسك فلو كان إطالة الشعر سنة مطلقا لما حلق شعره في النسك ولأبقاه دائما. وترغيب الشارع في حلقه وتقصيره في النسك يشعر أن إبقائه في غير النسك فعل مباح لا مشروعية فيه.
4 - لو كان إطالة الشعر مشروعا مقصودا من قبل الشارع لأرشد النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى ذلك كما أرشدهم إلى إرخاء لحاهم، أو بين لهم علة تدل على مشروعيته. ولكن لا يحفظ عنه صلى الله عليه وسلم شيئا في ذلك بل روي عنه أنه حلق أبناء جعفر بن أبي طالب بعد موته واستحسن حلق وائل بن حجر لشعره الطويل. فشعور الإنسان من حيث الحكم ثلاثة أقسام:
1 - قسم أمر الشرع بإبقائه كاللحية.
2 - قسم أمر الشرع بإزالته كشعر العانة والإبط والشارب.
3 - قسم سكت عنه كشعور اليدين والرجلين والبدن وشعر الرأس داخل في ذلك.
والحاصل أن إطالة الرأس عمل مباح لا يتعلق به ثواب ولا عقاب من حيث أصله فليس إطالته طاعة ولا حلقه معصية إلا إذا اقترن به قرينة تدل على مدحه أو ذمه شرعا وكذلك الحكم في حلقه. ولذلك يستحب حلقه في النسك ويحرم حلقه تقربا في غير النسك ويحرم إطالته تشبها بمن ينهى التشبه به ويباح إطالته موافقة للعرف وقد يسن ذلك.
ومن يطيل شعره من الناس طائفتان: الأولى: من يفعل ذلك ديانة وقربة إلى الله وقد ظهر عليه سيما الصلاح والإستقامة. وهذا الفعل محمود ويرجى فيه الثواب إذا روعي في ذلك أمران:
1 - أن يقصد بذلك التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم لعموم مشروعية التأسي به. قال تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا).
2 - أن لا يكون في إطالته محذور شرعي كأن يكون فعله مخالفا لعرف قومه أو يكون إطالة الشعر شعارا للفساق وزيا لهم. فإذا كان العرف السائد في قومه عدم إطالة الشعر فيكره له فعله لأنه من الشهرة والشذوذ عنهم وقد يجلب على نفسه الريبة. وإذا كان من زي الفساق فيحرم عليه التشبه بهم والوسائل لها أحكام المقاصد. فقد ذم السلف ذلك. (كان عمر بن عبد العزيز إذا كان يوم الجمعة بعث الأحراس فيأخذون بأبواب المسجد ولا يجدون رجلا موفر الشعر يعني مبذر الشعر إلا جزوه) أخرجه ابن أبي شيبة. وقال ابن عبد البر: (صار أهل عصرنا لا يحبس الشعر منهم إلا الجند عندنا لهم الجمم والوفرات وأضرب عنها أهل الصلاح والستر والعلم حتى صار ذلك علامة من علاماتهم وصارت الجمم اليوم عندنا تكاد تكون علامة السفهاء. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من تشبه بقوم فهو منهم أو حشر معهم). وقال ابن مفلح في الآداب الشرعية: (وينبغي أن يقال إن لم يخرج إلى شهرة أو نقص مروءة أو إزراء بصاحبه ونحو ذلك كما قالوا في
¥