تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال ابن خويز منداد في كتاب "أصول الفقه" وقد ذكر خبر الواحد الذي لم يَرْوِهِ إلاَّ الواحد والاثنان: ويقع بهذا الضرْبِ أيضًا العِلْم الضروري، نص على ذلك مالك، وقال أحمد في حديث الرؤية: "نعلم أنها حق، ونقطع على العلم بها"، وقال القاضي أبو يَعْلَى في أوَّل "المخبر": "خبر الواحد يُوجِب العلم إذا صحَّ سَنَدُه، ولم تختَلِفِ الرواية فيه، وتلقَّتْهُ الأُمَّة بالقَبول، وأصحابنا يطلقون القول فيه، وأنه يوجب العلم، وإن لم تتلقَّهُ الأُمَّةُ بِالقبول".

قال: "والمذهب على ما حكيت لا غير".

وقال بذلك أبو إسحاق الشيرازي في كتبه في الأصول؛ كـ"التبصرة"، و"شرح اللمع" وغيرهما، ولفظه في "الشرح": "وخبر الواحد إذا تلقته الأمة بالقبول يوجب العلم والعمل، سواء عمل به الكل أو البعض"، ولم يحك فيه نزاعًا بين أصحاب الشافعي، وحكى هذا القول القاضي عبدالوهاب من المالكيَّة عن جماعة من الفقهاء، وذكره أبو بكر الرازي في كتابه "أصول الفقه" [5] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?ArticleID=2026#_ftn5).

2– أنَّ الشَّرْعَ دَلَّ على أخْذِ العِلْمِ من الأفراد والجماعات الناقلين له قال – تعالى -: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: 122]، والطائفة تقع على الواحد فما فوقه، والإنذار إعلام بما يُفيد العلم، والتبليغ لأمور الشرع من عقيدة وغيرها بلا فرق.

وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6] وفي قراءة: {فَتَثَبَّتُوا}، ومفهوم الآية قَبول خَبَر الوَاحِد الثقة.

وفي الأحاديث الحث على تبليغ ما أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم - فلازم ذلك قبول خبره من الواحد، طالما أنه من طريق صحيح [6] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?ArticleID=2026#_ftn6).

فإن قيل: أحاديث الآحاد تفيد الظن والشرع نهى عن اتباع الظن [7] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?ArticleID=2026#_ftn7)، فجوابه: هذا في الظن المَرْجُوح الذي لا يُفيد عِلْمًا، فيكون قائمًا على الهَوَى، مُخَالِفًا للشرع، وليست أحاديث الآحاد من ذلك في شيء؛ بل هي من الشرع.

ولازم ذلك رد العمل بأحاديث الآحاد في الأحكام والمعاملات، إذا اعتبرناها من الظن المنهِيّ عن الأخذ به شرعًا. وهذا باطل غاية البُطلان.

وعلى هذا نقول:

أين الدليل الذي يُعْتَدّ به على تَرْك العمل بحديث الآحاد في العقائد والتوحيد؟! هل ثبت ذلك بآية قرآنية أو حديث نبوي صحيح؟!

وهل ثبت عن الصحابة - رضي الله عنهم - العمل بذلك أو التصريح به؟!

وهل ثبت عن أحدٍ من الصحابة ردُّ ما أخبره به أحدُهم من أحاديثَ نبوية، تضمن أمورًا عقائدية؟ وهل فعل ذلك أحد من أئمة التابعين ومن بعدهم؟

إننا نجزم - بلا شك - أنه ما من أحدٍ من الصحابة أو التابعين، أو أئمة الهدى رَدَّ خبر الواحد الذي يتضمَّن أمورًا عقائدية؛ بل كانوا يتقبلون الخبر بالقَبول واليقين، طالما ثبتَتْ صحته؛ كما في أحاديث الرؤية، وتكليم الله، وندائه، ونزوله في ثلث الليل الأخير كل ليلة ... إلخ.

3 – أن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: ((بَلِّغُوا عني))؛ متفق عليه، ومن بَلَّغ عنه فقد أقام الحجَّة على المبلغ، وحصل له بذلك العلم، وادّعاء أنَّ العلم والحجة لا تقوم بإخبار المبلِّغ، ما كان للأمر بذلك معنى.

وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُرْسِل الوَاحِد من أصحابه؛ يبلغ عنه، فتقوم الحجة بذلك على مَنْ بَلّغه [8] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?ArticleID=2026#_ftn8).

وقد أرسل - صلى الله عليه وسلم – عليًّا، ومعاذًا، وأبا موسى - رضي الله عنهم - في أوقات مختلفة إلى اليمن؛ يُبلّغُون عنه؛ ويُعلِّمُون الناس الدين، وأهمُّ شيء في الدين إنما هو العقيدة.

وهذا دليلٌ قاطِع على أنَّ العقيدة تَثْبُت بخبر الواحد، وتقوم به الحجَّة على الناس، وإلا ما اكتفى - صلى الله عليه وسلم – بِمُفْرَدِه، ولأرسل معه من يَتواتر به النقل.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير